شرع محامو المغرب، ابتداءً من اليوم الإثنين وحتى إشعار آخر، في إضراب شامل عن العمل، رفضاً لقرار الحكومة فرض إجراءات ضريبية وردت في مشروع قانون المالية لسنة 2023، ورفضاً لـ"الوضع المهني المتأزم، نتيجة حملة الاستهداف غير المسبوقة في تاريخ المهنة"، وذلك في تطوّر لافت في مسار الأزمة غير المسبوقة بينهم وبين الحكومة.
وتعطّلت الجلسات على نطاق واسع، الأمر الذي شلّ معظم محاكم المغرب، في وقت تتّجه فيه الأنظار إلى مخرجات جلسة حوار من المرتقب أن تُعقد اليوم الإثنين أو يوم غد الثلاثاء، ما بين جمعية "هيئات المحامين بالمغرب" ورئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش.
وكان مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب قد قرّر، عقب اجتماعه الطارئ يوم الجمعة الماضي، التوقّف عن العمل بصورة كلية وشاملة، في كلّ محاكم البلاد، ابتداءً من 14 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري.
ولم تمنع موافقة الحكومة، الخميس الماضي، على تعديل تقدّمت به فرق الأغلبية في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي) يقضي بحذف المادة 20 من المادة 6 من المدوّنة العامة للضرائب التي تضمّنها مشروع قانون المالية لسنة 2023، المحامين وهيئاتهم من تصعيد احتجاجاتهم.
وينصّ التعديل الذي وافقت عليه الحكومة على تخيير المحامين ما بين سداد مبلغ 300 درهم (نحو 28 دولاراً أميركياً) بطريقة تلقائية مرّة واحدة عن كلّ قضية عند إيداع أو تسجيل مقال أو طلب أو طعن أو عند تسجيل نيابة أو مؤازرة أمام محاكم المغرب، وبين السداد تلقائياً لدى قابض إدارة الضرائب دفعتَين مقدّمتَين على الحساب بطريقة إلكترونية. كذلك تضمّن التعديل إعفاء المحامين الجدد من سداد الدفعات المقدّمة على الحساب طوال الأشهر الـ36 الأولى، ابتداءً من شهر الحصول على رقم التعريف الجبائي.
في المقابل، كان مشروع الموازنة الجديدة يفرض سداد المحامي تلقائياً لدى كاتب الضبط في صندوق المحكمة تسبيقاً مالياً عن الضريبة عن كلّ ملف في كلّ مرحلة من مراحل التقاضي، أي عند إيداع أو تسجيل دعوى أو طلب أو طعن أو عند التسجيل نيابة أو مؤازرة في قضية بمحكمة. وقد أتى الإجراء الأخير بعدما تبيّن لمصالح الضرائب أنّ المحامين لا يصرّحون بمداخيلهم الحقيقية.
وحُدّد مبلغ التسبيق المالي في مشروع قانون المالية بـ300 درهم مغربي (نحو 28 دولاراً أميركياً) عن كلّ ملف في محاكم الدرجة الأولى، و400 درهم (نحو 37 دولاراً) في محاكم الدرجة الثانية، و500 درهم (نحو 46 دولاراً) في محكمة النقض. أمّا الدعاوى المتعلقة بالأوامر المبنية على طلب المعاينات، فيُسدّد عنها مبلغ مسبق عن الضريبة مقداره 100 درهم (نحو تسعة دولارات).
ويوضح الناشط الحقوقي والمحامي محمد الغلوسي لـ"العربي الجديد" أنّ الإضراب المفتوح عن العمل هو "رسالة رفض مطلق من المحامين للتدابير الضريبية التي جاءت بها الحكومة، نظراً إلى أنّها مخالفة للمدوّنة العامة للضرائب"، لافتاً إلى أنّ محاميي المغرب "يتشبّثون بكل الخطوات التصعيدية لدفع الحكومة إلى الاستجابة لمطالبهم، وإلى فتح حوار حقيقي ومسؤول حول مشكلات القطاع، خصوصاً ما جاء في مشروع قانون تنظيم مهنة المحاماة ومشروع الموازنة الجديدة من تدابير ضريبية".
ويشدّد الغلوسي على أنّ "المحاماة ليست تجارة، إنّما هي مهنة تؤدّي رسالة حقوقية كونية، ولا يمكن إخضاعها لمنطق التجارة"، مضيفاً أنّ "المحامين ليسوا ضدّ سداد الضرائب ولا يتهرّبون منها، وهم اليوم يسدّدونها، لكنّهم يطالبون بجعلها عادلة، ويحذّرون من تأثيرها على المتقاضين، ومن تقويض حقّ التقاضي، والحدّ من قدرة المواطنين، خصوصاً من الطبقات الضعيفة والمتوسطة، على الولوج إلى العدالة، وما يشكّله ذلك من إهدار للحقوق".
ويلفت الغلوسي إلى أنّ "التدابير الضريبية الجديدة تضرب في الصميم مبدأ مجانية القضاء، وسوف تزيد من تعقيد الوضع، وسوف تثقل كاهل المواطنين الذين يعانون من جرّاء الغلاء، لأنّهم هم الذين سوف يسدّدون تلك الضرائب في نهاية المطاف".
وعلى مدى أكثر من أسبوعَين متواصلَين، نظّم المحامون وقفات احتجاجية واعتصامات أمام البرلمان المغربي وفي محاكم البلاد، بالإضافة إلى إضرابات عن العمل يومَي الثامن والتاسع من الشهر الجاري. كذلك قرّرت هيئاتهم عدم الاستجابة إلى دعوة وزير العدل عبد اللطيف وهبي لحضور اجتماع اللجنة المشرفة على امتحان الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة.
وتشهد العلاقات ما بين الهيئات التي تمثّل المحامين في المغرب ووزير العدل توتّراً غير مسبوق، بعدما تصاعد الجدال حول مسوّدة مشروع قانون تنظيم مهنة المحاماة، وتوالت الانتقادات الموجّهة إلى بنودها وكيفية إعدادها، وما تضمنته من "تجاوزات خطرة وغير مسبوقة لمقاربة التشارك مع المؤسسات والإطارات (الكوادر) المهنية"، في حين أنّها "وجّهت ضربات لتعهدات الوزارة سابقاً عدم طرح القانون إلا بعد إصدار القوانين الإجرائية (قانون المسطرة المدنية والجنائية)، تمهيداً لتعزيز استقلالية المهنة وحصانتها، وتوسيع مجالات عمل المحامين".