المغرب: الدروس الخصوصية تسبق الامتحانات

08 يونيو 2021
يدرس أمام شاشة كومبيوتر (فاضل سينا/ فرانس برس)
+ الخط -

يعرض أستاذ تعليم مواد الرياضيات والفيزياء والكيمياء لتلاميذ المرحلتين الإعدادية والثانوية بمدينة الدار البيضاء في مقابل  300 درهم (نحو 30 دولاراً)، ويقول آخر، وهو طالب حاصل على بكالوريوس، إنه "متمرّس في المادة"، ويروّج "لدروس في دعم مادة علوم الحياة والأرض لكل المستويات باللغة العربية".
هذان نموذجان لإعلانات انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وتلك الخاصة بالإعلانات والمكتبات وحتى المتاجر، بعدما تحوّلت الدروس الخصوصية إلى تجارة رائجة جراء ارتفاع الطلب على خدماتها، قبل أيام من موعد امتحانات شهادة البكالوريا (الثانوية العامة)، التي تنطلق اليوم.
وبينما اعتادت أسر على تخصيص ميزانيات منذ بداية الموسم الدراسي للدروس الخصوصية، كان لافتاً خلال فترة التحضير لامتحانات البكالوريا هذه السنة اضطرار بعضها إلى زيادة هذه النفقات لتحسين قدرات أبنائها قبل الاختبارات الوطنية، وتدارك المناهج والنقص في التحصيل جراء تأثره باستمرار تفشي جائحة كورونا منذ منتصف العام الدراسي الماضي، ما أدى إلى انتعاش سوق الدروس الخصوصية وزيادة كثافتها.

يقول عمر مرشد، التلميذ في السنة الجامعية الثانية باختصاص العلوم الفيزيائية، لـ"العربي الجديد"، إن "التحصيل العلمي كان صعباً هذه السنة بعد اعتماد التعليم بطريقة الأفواج، ما أثرّ على المعارف المكتسبة. كما ضاعت حصص كثيرة بسبب الإضرابات المتتالية للأساتذة المتعاقدين، ما جعل ما أنجز يتم في ظروف غير ملائمة". ويتابع: "أمام هذا الوضع توجّبت الاستعانة بالدروس الخصوصية لتدارك النقص الحاصل، خاصة في المواد العلمية من رياضيات وفيزياء فضلاً عن اللغات، وذلك بالنظر إلى أهمية هذه المواد ومكانتها في النظام التعليمي المغربي".
وفي حديث مع "العربي الجديد"، يلُفت أحمد الحسناوي، وهو ولي أمر تلميذ في ثانوية "المغرب العربي" بمدينة سلا القريبة من العاصمة المغربية الرباط، إلى أن الدروس الخصوصية أصبحت موضة تناقلها التلاميذ بلا وعي بينهم، في حين بات أولياء الأمور مغلوبين على أمرهم وينحصر دورهم في أمور ترهق كلفتها ميزانية العائلات المغربية، خاصة في فترة الامتحانات التي تشهد زيادة في الأسعار جراء الإقبال المتزايد عليها. يضيف: "في بداية مايو/ أيار الماضي، ومع تحديد موعد امتحانات البكالوريا فوجئنا بمضاعفة أسعار دروس الدعم".

طلاب المغرب 2
طلاب بمدرسة في الدار البيضاء (Getty)

من جهته، يصف عبد اللطيف الإدريسي، وهو ولي أمر تلميذ في مدرسة خصوصية بمدينة الرباط، في حديثه لـ"العربي الجديد"، هذه الدروس بأنها "مهزلة تؤكد فشل المنظومة التعليمية. والمواطن هو من يدفع الثمن، في ظل تطلع أولياء أمور التلاميذ إلى رفع حظوظ أبنائهم في اجتياز الامتحانات ونيل علامات مرتفعة تساعدهم في الالتحاق بجامعات مميزة، باعتبارها طريقاً سالكاً لتحقيق رقيّ اجتماعي،  ما يُساهم في زيادة الإقبال على الدروس الخصوصية، خاصة قبل الامتحانات".

ولا تقتصر سوق الدروس الخصوصية أو ما يعرف بـ"المراجعة" أو "الساعات الإضافية"، على ما يقدمه الأساتذة في منازلهم أو أماكنهم الخاصة أو في بيوت التلاميذ، إذ فتحت مؤسسات التعليم الخاص أبوابها للراغبين في دروس الدعم، كما توجد مئات من مراكز الدعم التي انتشرت في السنوات الأخيرة. 
وتفيد أرقام وزارة التربية الوطنية بأن 518.430 طالباً وطالبة سيتقدمون إلى امتحانات الدورة العادية لشهادة البكالوريا، المقررة اليوم الثلثاء.

طلاب المغرب 3
يدخلون إلى مدرسة في الدار البيضاء (Getty)

وفي حديثه لـ"العربي الجديد"، يعتبر الكاتب العام في جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ مصطفى صائن أن "تزايد الإقبال على الدروس الخصوصية أضر بصدقية المدرسة وصورتها، وبوضع المدرسين ومقدار الثقة بهم، فباتت تجارة وابتزازا ومقايضة للتلاميذ وضربت مبدأ تكافؤ الفرص، خصوصاً أن أسراً كثيرة غير قادرة على توفير كلفتها".
ولفت صائن إلى أن الدروس المقدمة في التعليم العمومي أو الخصوصي "لا تفي بالغرض ويبقى مردودها ضعيفاً، ما يُضطّر أولياء الأمور إلى اللجوء لساعات إضافية، في حين أن الدروس الخصوصية اتخذت بعداً آخر في زمن كورونا بعدما تقلص زمن التعليم الحضوري بنسبة 50 في المائة، وأعطى التعليم عن بعد والتعليم الذاتي مردوداً متواضعاً".

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وفيما يعتبر صائن أن وزارة التربية الوطنية ملزمة بتوفير دعم مؤسساتي للتلاميذ وفتح ورش تطوير للتعليم عن بعد، ليس فقط في زمن الأزمات، يشير المدرس بوجمعة الكرمون إلى أن الدروس الخصوصية "باتت غاية وحاجة وضرورة، لأن رهان النجاح في امتحانات البكالوريا يضغط على الجميع". ويقول الكرمون لـ"العربي الجديد"، إنه "حين تصبح الساعات الإضافية فرصة من ذهب بالنسبة إلى بعض الأطر التعليمية، وموضة بالنسبة إلى بعض الأسر، فإن ذلك يكفي لتجبير عطب نفسي تعاني منه شريحة كبيرة من المجتمع في علاقتها مع ساعات دروس الدعم".
يقول الكرمون إن "الدروس الخصوصية باتت تجارة تدر دخلاً على أصحاب مراكز الدعم وكذلك على بعض الأطر التعليمية، ما يفقدها فلسفتها البيداغوجية المرتبطة بتصحيح تعثرات التلاميذ". ويلفت إلى أنه "حين يعاد الاعتبار إلى المدرسين مادياً ومعنوياً، ويجري تعزيز دور القيم في المدرسة، والانكباب على إصلاح القطاع الخاص، ستطبق سياسة تعليم تراعي التغيير المنشود في المدرسة على مستوى الجودة والفعالية".

المساهمون