سيطرت مشاعر الفرح على اليافع المغربي خالد إمامي، البالغ من العمر 16 عاماً، بعدما ظفر بمقعد في قائمة اليافعين والشباب الذين مُنحوا مع بدء العام الدراسي الجديد فرصة ثانية لمتابعة تعليمهم في مدرسة الإمام مالك بإقليم الناظور، شمال شرقي البلاد، بعد انقطاعهم عن ذلك قبل سنوات. وبعد خروجه من حالة اليأس التي عاشها مذ قرّر قبل ثلاث سنوات ترك مقاعد المدرسة، يرى خالد أنّه حظي بفرصة ثمينة للحياة يبحث عنها مئات من التلاميذ المغاربة بهدف العودة إلى تعليمهم من بوابة برنامج "مدارس الفرصة الثانية - الجيل الجديد"، الذي أطلقته وزارة التعليم في عام 2014 لمنح اليافعين والشباب المنقطعين عن التعليم فرصة التكوين والتعلم واكتساب مهارات حياتية تمكّنهم من دخول سوق العمل والحصول على فرص.
ويقول خالد لـ"العربي الجديد": "اضطرتني إصابتي بمرض السرطان وبدء العلاج إلى الانقطاع عن المدرسة، لكنّ فكرة العودة لم تفارقني طيلة تلك المدّة وتحقيق بعض من أحلامي أو على أقلّ تقدير ضمان ما يخرجني من حالة الفراغ التي أعيشها. وهو ما أصبح بإمكاني تحقيقه من خلال مدارس الفرصة الثانية". يضيف خالد أنّ "المدرسة تمنحنا فرصة أخرى للتكوين والتعلم، إذ نتلقّى دروس دعم في الرياضيات والفيزياء واللغتَين العربية والفرنسية والمواد الأخرى التي من شأنها تأهيلنا لاجتياز امتحانات الشهادة الإعدادية. إلى جانب ذلك، ثمّة دروس نظرية وتطبيقية في مجال كهرباء المنازل، ومن شأن ذلك أن يعيننا على متابعة تحصيلنا الدراسي الجامعي أو التوجّه نحو العمل لمن يختار التكوين المهني".
وبينما يؤكّد خالد تمسّكه بفرصته الأخيرة لتحقيق آماله وطموحاته، تحكي آمال العامري، البالغة من العمر 14 عاماً، عمّا فتحته "مدارس الفرصة الثانية - الجيل الجديد" من آفاق لها بهدف تدارك ما فاتها بعد سنوات من الانقطاع عن التعليم. فهي اضطرت في عام 2018 إلى ترك مدرستها الابتدائية في مدينة سلا القريبة من العاصمة المغربية الرباط، من جرّاء ضيق ذات اليد. وتقول آمال، لـ"العربي الجديد"، إنّ "فرحتي بالعودة إلى المدرسة لا تعادلها أيّ فرحة. فأنا كنت أدرس بشكل عادي، لكنّ والدي قرّر أن أترك المدرسة وأنا في الصف السادس ابتدائي، بسبب عدم قدرته على تحمّل تكاليف تعليم أربعة أبناء. لكنّني عشت طيلة تلك السنوات على أمل العودة التي تحقّقت اليوم بتوجيه من مدرّستي السابقة". تضيف آمال: "هدفي اليوم هو استكمال تعليمي والحصول على الشهادة الابتدائية بموازاة تعلّم حرفة الحلاقة النسائية لتأمين مستقبلي. وأتمنّى أن تكون عودتي فرصة ثانية في حياتي".
في هذا السياق، يقول رئيس فرع مركز حقوق الناس في جهة الدارالبيضاء - سطات (منظمة غير حكومية)، سعيد الراقب، لـ"العربي الجديد"، إنّ "مشروع مدرسة الفرصة الثانية - الجيل الجديد للا أسماء، الذي يشرف عليه المركز في عمالة (منطقة) الفداء مرس السلطان بمدينة الدار البيضاء وتساهم فيه وزارة التربية الوطنية والتعليم الأوّلي والرياضة من خلال مؤسسة تعليمية، تحرص من خلاله مجموعة من الكوادر على تلقين اليافعين دروساً نظرية وتطبيقية في مجالات مختلفة، من طبخ وحلاقة وتجميل وإعلام، إلى جانب تقديم أنشطة اجتماعية ثقافية لتنمية القدرات الشخصية لدى المستفيدين".
وتشير الإحصاءات الرسمية إلى انقطاع 304 آلاف و545 تلميذاً عن الدراسة في خلال عام 2020، وذلك لأسباب تتداخل فيها معطيات عديدة. فتلاميذ القرى على سبيل المثال يعانون من بعد المدارس عن مقرّات سكنهم ومن صعوبة الوصول إليها في خلال فترات معيّنة من السنة، بالإضافة إلى انتشار عمالة الأطفال في سن مبكّرة جداً، وغياب متابعة التلاميذ وإقناعهم بجدوى العملية التعلمية في حدّ ذاتها. ويفاقم الوضع ميل الثقافة الشعبية إلى الاستهانة بالهدر (التسرّب) المدرسي.
وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (حكومي)، قد أوضح في تقريره السنوي المرفوع إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس، عن الموسم الدراسي 2019 -2020، أنّ الهدر المدرسي يمثّل "قنبلة موقوتة لم تعالجها السياسات التعليمية بالقدر الكافي"، لافتاً إلى أنّه في حال "لم يتمّ القيام بوقفة، فإنّ التلاميذ المنقطعين عن الدراسة سيشكلون، مستقبلاً، خزاناً يُفرّخ شباباً بدون مؤهلات وفي وضعيات اجتماعية صعبة ومرشّحين للوقوف في مخاطر التهميش والانحراف، إضافة إلى الفوارق الاجتماعية التي تنتجها هذه الظاهرة".
من جهته، يقول الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم - التوجه الديمقراطي عبد الرزاق الإدريسي إنّ "الدولة مسؤولة عن ضمان التعليم واستمراره لجميع المغاربة من التعليم الأوّلي إلى الجامعي"، ويشدّد في حديث لـ"العربي الجديد"، على "ضرورة ألا تُسند مهمة تكوين المنقطعين عن الدراسة إلى الجمعيات التي لا يراعي بعضها المسائل البيداغوجية (التربوية) والديداكتيكية (التعليمية) في أثناء عملية التعليم، وأن تتكفل بذلك وزارة التعليم".
ومنذ سنوات يسعى المغرب إلى مواجهة التسرّب المدرسي عبر مجموعة من البرامج التي توفّر النقل المجاني والغذاء والمبيت للتلاميذ الذين يقطنون بعيداً عن مقرّات تعليمهم، أو عبر تقديم الدعم المادي للأسر واستقبالهم في سكن التلاميذ والتلميذات، مع مبادرة توزيع مليون حقيبة تحوي لوازم مدرسية، بالإضافة إلى إنشاء مدرسة الفرصة الثانية التي تقدّم دعماً مدرسياً وتكويناً في الحرف للتلاميذ الذين تسرّبوا من التعليم.
ويمتدّ البرنامج لسنة واحدة بالنسبة إلى المستفيدين الذين تسمح مؤهلاتهم بالاندماح المهني، ولسنتَين اثنتَين لمن اختاروا إعادة الاندماج في التعليم النظامي، في حين يتمّ دمج الذين يجتازون الامتحانات بنجاح في السلكَين الإعدادي والثانوي في إطار التربية النظامية ودمج فئة أخرى في منظومة التكوين المهني. ويعتمد البرنامج على عقد شراكات مع جمعيات المجتمع المدني لتدبير المراكز وتنفيذ برامج التكوين بها، بتنسيق وإشراف مباشرَين من قبل الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين والمديريات الإقليمية المحتضنة لهذه المراكز. فتتكلف الوزارة أو الأكاديمية بدعم مالي للجمعية من أجل المساهمة في توفير التكوين والمركز، وتتكلف الجمعية باستقطاب المتعلمين وتكوينهم وتوفير التدريبات المهنية والدعم الاجتماعي والمرافَقة للاندماج المهني، وتنفتح من أجل تحقيق النتائج المنتظرة من المشروع على الشراكة مع القطاعات والمؤسسات ذات الصلة في مجالات تكوين اليافعين والشباب ودمجهم ودعمهم في وضع عدم التمدرس.
تجدر الإشارة إلى أنّ وزارة التربية الوطنية والتعليم الأوّلي والرياضة كانت قد أعلنت في الأوّل من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عن تعزيز شبكة "مدارس الفرصة الثانية - الجيل الجديد" التي تهدف في الأساس إلى إعادة التمدرس والتأهيل المهني لغير المتمدرسين أو المنقطعين عن الدراسة من خلال تعبئة 140 مدرسة.