المغرب يحتفل بأول رأس سنة أمازيغية بعد اعتمادها إجازة رسمية

12 يناير 2024
رأس السنة الأمازيغية مناسبة للفرح في المغرب (فاضل سنا/ فرانس برس)
+ الخط -

خلال السنوات الماضية كان الاحتفال برأس السنة الأمازيغية في المغرب يقتصر على فعّاليات في مدن محددة فضلاً عن الاحتفالات العائلية بينما يحتفل المغاربة الأحد المقبل برأس السنة الأمازيغية 2974 بنكهة رسمية لأول مرة بعد اعتمادها عيداً وإجازة وطنية رسمية على غرار السنة الهجرية والسنة الميلادية.
وتنظم وزارة الثقافة والاتصال والشباب في المغرب، احتفالاً كبيراً برأس السنة الأمازيغية في مسرح محمد الخامس بالعاصمة الرباط، يوم 14 يناير/ كانون الثاني، يحضره رئيس الحكومة عزيز أخنوش، كذلك قررت بلدية مدينة أكادير (جنوب غرب) الاحتفال على مدار أسبوع كامل بالسنة الأمازيغية الجديدة "إيض يناير"، عبر إحياء التقاليد الأمازيغية العريقة، وتعريف الأجيال الجديدة بالتراث الأمازيغي، وتقوية ارتباطها بإرثه الثقافي.

وأعلنته الجماعة الترابية لأكادير التي يرأسها رئيس الحكومة، أن الاحتفالية تتضمن برمجة غنية ومتنوعة تلامس مختلف جوانب الثقافة الأمازيغية، وتشمل ندوات علمية بحضور باحثين وخبراء من المغرب وخارجه، وبرنامج أيام "إيض يناير" السينمائي، وسهرات فنية ينشطها نجوم الأغنية الأمازيغية، فضلاً عن أنشطة ثقافية وتراثية.
وأعلن الديوان الملكي في المغرب في الرابع من مايو/ أيار الماضي، إقرار رأس السنة الأمازيغية كعطلة وطنية رسمية، وفي الرابع من أغسطس/ آب الماضي، أعلن رئيس الحكومة عزيز أخنوش، اعتماد رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية سنوية مدفوعة الأجر، تنفيذاً للقرار الملكي بهذا الخصوص، مؤكداً أن حكومته ستعمل على رفع وتيرة تنزيل خريطة الطريق التي أعدتها بخصوص تكريس الطابع الدستوري للأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية.
وتتضمن خريطة الطريق 25 إجراءً، تشمل إدماج اللغة الأمازيغية في الإدارات والخدمات العمومية، وفي وزارات التعليم والصحة والعدل، والإعلام السمعي البصري.
وظل مطلب الحركة الأمازيغية في المغرب بإقرار رأس السنة الأمازيغية مناسبة رسمية يراوح مكانه لسنوات، ويثير جدلاً كبيراً في المشهد السياسي بالبلاد. ودأبت الحركة الأمازيغية وجمعيات حقوقية على تكرار الطلب اعتماداً على دستور عام 2011، الذي جعل الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، غير أن هذا المطلب الملحّ ظل عالقاً بسبب ما كانت تعده الحركة الأمازيغية غياباً للإرادة السياسية.
واعترفت الدولة المغربية باللغة الأمازيغية في الخطاب الملكي لعام 2001، قبل أن يصار إلى الاعتراف الدستوري بها كلغة رسمية في عام 2011، في حين صدر القانون التنظيمي المتعلق بمراحل تفعيلها في مجالات الحياة في عام 2019.
وتتباين تسميات رأس السنة الأمازيغية في المغرب من منطقة إلى أخرى، ما بين "إيض يناير"، و"إيض سكاس"، و"حاكوزة"، وهذا هو العام 2974 بالتقويم الأمازيغي، وهو يتجاوز التقويم الغريغوري (الميلادي) بـ950 عاماً.
وينقسم المؤرخون حول أصل الاحتفال برأس السنة الأمازيغية إلى فريقين، الأول يربطه بالاحتفال بالأرض والزراعة، لذا يحكون عن "السنة الفلاحية"، في حين يعيده الفريق الآخر إلى إحياء ذكرى انتصار الملك الأمازيغي شاشناق على الفرعون المصري رمسيس الثاني.

أول احتفالات رسمية برأس السنة الأمازيغية (فاضل سنا/فرانس برس)
يشهد العام الحالي أول احتفال رسمي في المغرب برأس السنة الأمازيغية (فاضل سنا/فرانس برس)

وتطبع ليلة رأس السنة الأمازيغية طقوساً احتفالية شعبية تتميز بإعداد أطباق خاصة، من أبرزها "كسكس السبع خضروات"، وعصيدة "تاكلا" التي تحضر بمزج دقيق الشعير أو الذرة مع الماء قبل أن توضع على النار لتنضج، ثم تقدم بعد تزيينها باللوز والتمر، أو البيض المسلوق، ويسكب وسطها زيت زيتون أو زيت أرغان أو عسل، وتعمد النساء إلى وضع "أغورمي"، وهو نوى التمر، في عصيدة رأس السنة قبل تقديمها إلى أفراد العائلة، ويعتقد شعبياً أن من يعثر على النوى في أثناء تناول العصيدة الساخنة يكون الأوفر حظاً خلال السنة الفلاحية الجديدة.
وكان لافتاً في الأعوام الأخيرة انتقال الطقوس الخاصة بالاحتفال من المجال الخاص إلى العام، لتصير ممارسة جماعية في البلاد. ويرى رئيس "العصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان"، بوبكر أونغير، أن إقرار رأس السنة الأمازيغية كعطلة رسمية والاحتفال به رسمياً لأول مرة يعتبر استمراراً للمصالحة التاريخية التي دشنها المغرب مع تاريخ البلاد وهويته الحضارية العريقة.
ويقول أونغير لـ"العربي الجديد"، إنه "منذ إقرار دستور 2011، الذي أقرّ لأول مرة برسمية اللغة الأمازيغية، وبالأبعاد المتعددة للهوية المغربية، انتظر الأمازيغ استكمال الاعتراف الرسمي باللغة والثقافة الأمازيغيتين عبر قرارات سياسية وقانونية، منها إخراج القانون التنظيمي الخاص بتنزيل الطابع الرسمي للأمازيغية الذي لم يرَ النور إلا في الدقائق الأخيرة من عمر حكومة حزب العدالة والتنمية. استبشر الأمازيغ خيراً بالحكومة الحالية التي ضمّ برنامجها وعوداً بإنصافهم، غير أن عجلة الإدماج والإنصاف لا تزال متعثرة بفعل عوامل، أهمها استمرار تعثر تعميم الأمازيغية في الوسط المدرسي، وضعف استفادة الجمعيات والإعلام والفن الأمازيغي من الدعم الحكومي".
ويضيف: "هناك عدم انخراط جدي من عدة قطاعات حكومية في إعداد برامج تخصّ إدماج الأمازيغية، ولا سيما غيابها في إجراءات التقاضي، واستمرار إخراج قوانين لا تلائم المنصوص عليه دستورياً، كقانون المسطرة المدنية، وقوانين أخرى تلغي الأمازيغية، وتعمل بمنطق دساتير سابقة" على حد قوله.

وإجمالاً، يعتقد الناشط الحقوقي الأمازيغي أن إقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية من طرف أعلى سلطة بالبلاد مؤشر إيجابي على أن الدولة المغربية عازمة على تلبية مطلب الإنصاف والمصالحة مع مكون أساسي من مكونات الهوية المغربية الجامعة، إلا أن جيوب مقاومة التغيير ما زالت تعرقل تسريع مسلسل هذا الإنصاف التاريخي، الذي سيكون نجاحه مهماً لتوازن الشخصية المغربية وعودة المغرب إلى جذوره الثقافية الأصيلة.

المساهمون