صار في إمكان المغاربة، ابتداءً من أمس الجمعة، التقدّم بشكاوى أمام لجنة أممية بشأن حقوقهم المدنية والسياسية، في سابقة من نوعها في تاريخ البلاد. وجاء ذلك مع بدء سريان العمل بالبروتوكول الاختياري الأوّل الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المتعلق بتقديم الشكاوى، وكذلك البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضدّ المرأة (سيداو) المتعلق باختصاص تقديم شكاوى الأفراد وإجراء التحقيقات، وهما البروتوكولان اللذان انضمّ إليهما المغرب في 22 إبريل/ نيسان الماضي.
وبموجب البروتوكولَين المذكورَين، صارت الجمعيات وكذلك المدافعون عن حقوق الإنسان والضحايا المفترضين مخوّلين تقديم الشكاوى إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان واللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضدّ المرأة، وذلك في حالة الادّعاء بانتهاك أحد الحقوق الواردة في العهد أو "سيداو".
ويقول رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان بوبكر أونغير لـ"العربي الجديد" إنّ انضمام المغرب رسمياً إلى البرتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمتعلق أساساً بالشكاوى الفردية وإمكانية الانتصاف الدولي عبرها هو "ثمرة تراكم نضالي حقوقي كبير قادته الحركة الحقوقية المغربية منذ صدور العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 وانتصار لدعاة ملاءمة القوانين الوطنية مع القوانين والمواثيق الدولية".
يضيف أونغير أنّ الانضمام الرسمي إلى البرتوكولَين وسريان مفعولهما من شأنهما أن "يعزّزا التوجّه الحقوقي المغربي نحو إقرار دولة الحقّ والقانون، إذ إنّ القضاء المغربي سوف يستفيد كثيراً من الاجتهادات القانونية والحقوقية الدولية التي سوف تحملها قرارات الهيئات الدولية".
ويتابع أونغير: "قد يُفهم من هذا الإجراء فقدان السيادة القضائية والقانونية على المواطنين المغاربة، لكنّ واقع الأمر أنّ تعزيز حقوق الإنسان واحترام كرامته وضمان حقوقه مسائل ضرورية تتعدّى الحدود والانتماءات والمناطق، وأنّ التزام المغرب باحترام الشرعة الدولية لحقوق الإنسان خيار دستوري ذهب إليه المغرب وتعامل معه بكلّ مسؤولية".
من جهتها، أشارت جمعية "الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان" (غير حكومية) إلى أنّه يُشترط أن ترد الشكوى من فرد أو أفراد يخضعون للولاية القضائية للدولة الطرف في المعاهدة، والتي قبلت إجراء تقديم شكاوى الأفراد أو صادقت على البروتوكول المتعلق بهذا الإجراء، وأن يستنفد المشتكي كل سبل التظلم المحلية المتاحة، أي أن تكون القضية قد استكملت مختلف درجات التقاضي المحلية أو استكملت أيّ من الإجراءات الإدارية التي يمكن أن توفّر انتصافاً فعالاً في خلال مدّة معقولة. ولا تنطبق هذه القاعدة إذا كانت وسائل الانتصاف المحلية غير فعّالة أو طويلة الأمد من دون مبرّر معقول.
ونبّهت الجمعية، في بيان لها، إلى ضرورة أن تقدَّم الشكوى من قبل الفرد شخصياً أو ممثله، ويجوز قبول البلاغ المقدّم بالنيابة عن شخص يدّعي أنّه ضحية، في حالة اتّضاح عدم قدرته على تقديم البلاغ بنفسه، وأن يكون الادعاء مدعماً بحجج كافية تبيّن أنّ الفرد ضحية لانتهاك الدولة الطرف لأيّ من الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقية (العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية أو اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد النساء).
وتابعت الجمعية على وجوب ألا تكون القضية موضوع الشكوى نفسها قيد الدراسة في إطار إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية. كذلك من الممكن أن يُعَدّ تقديم الشكوى إساءة لاستخدام هذا الإجراء، إذا قُدّم بعد خمس سنوات من استنفاد صاحبه لسبل الانتصاف المحلية أو في خارج المكان الذي وقع فيه، وبعد ثلاث سنوات من انتهاء إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية، ما لم تكن ثمّة مبرّرات لهذا التأخير، مع مراعاة كل ملابسات الشكوى.
في سياق متصل، دعت الجمعية الحكومة والمؤسسات المعنية إلى إعمال النظر في عدد من التوصيات، لا سيّما الحرص على تعزيز دور السلطة القضائية في حماية الحقوق وتيسير سبل الولوج إلى العدالة، والعمل على تفعيل وتعزيز اختصاصات الحماية لآليات الانتصاف الوطنية، والحرص على إعداد الإمكانيات البشرية والتنظيمية والمؤسساتية لضمان التعاطي الفعّال والناجع مع الآليات الدولية المعنية بتدبير الشكايات الفردية ذات الصلة بالبروتوكولَين المذكورَين آنفاً.
من جهة أخرى، جدّدت جمعية "الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان" مطالبتها السلطات العمومية بمواصلة مسلسل التصديق والانضمام إلى البرتوكولات الأساسية ذات الصلة بحقوق الإنسان، لا سيّما البرتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام والبرتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الخاص بتقديم شكاوى الأفراد، ومباشرة رفع التحفّظات والإعلانات التفسيرية على بعض مواد الاتفاقيات الأساسية التي يُعَدّ المغرب طرفاً فيها.