دانت جهات حقوقية ومدنية في المغرب، اليوم الخميس، خطابات الكراهية والعنصرية التي انتشرت أخيراً، داعية إلى التحلي باليقظة والحذر أمام الحملات العنصرية الحالية وإلى تغليب قيم التسامح والعيش المشترك والافتخار بالهوية الأفريقية مع كلّ الجاليات الأجنبية في بلدان المنطقة.
ويأتي ذلك في سياق جدال أثاره إطلاق ناشطين مغاربة حملة على وسائل التواصل الاجتماعي ضدّ زواج المغاربة من المهاجرين الوافدين من أفريقيا جنوب الصحراء الذين يعيشون في المغرب، وذلك بدعوى "حماية الهوية". وانتشر هاشتاغ "مغاربة ضد توطين أفارقة جنوب الصحراء في المغرب" يطالب معتمدوه بعدم زواج المغربيات من مهاجري دول أفريقيا جنوب الصحراء، بسبب لون بشرتهم. كذلك طالب المنخرطون في الحملة بعدم توطين هؤلاء المهاجرين "خوفاً من من انتشارهم في داخل النسيج المجتمعي".
وقد أفادت 16 هيئة وجمعية حقوقية ومدنية بأنّ الفضاء العام، الافتراضي كما الواقعي بالمغرب والمنطقة المغاربية، يشهد تصاعد خطابات عنصرية ضدّ المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء، والتي تفجّرت بشكل كبير عقب تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيّد "المقيتة"، بحسب ما وصفتها الهيئات والجمعيات.
ورأت الهيئات والجمعيات، في بيان أصدرته اليوم الخميس، أنّ "سرديات الخطاب العنصري والتمييزي القائم على تضخيم وجود المهاجرين، تكذّبها المعطيات الإحصائية والميدانية، بما فيها المعطيات الرسمية حول المهاجرين بالمغرب". أضافت أنّه "بعيداً عن الخطابات التهويلية المبنية على منطق هوياتي منغلق غارق في نظرية إثنية حول وهم جديد هو العرق المغربي، فإنّ واقع الهجرة بالمغرب مختلف ومتنوّع. والحال كذلك أنّ المغرب كان وما زال متنوعاً ومختلفاً بهويات إثنية وثقافية متعدّدة ومتعايشة في ما بينها على مرّ القرون".
وعدّت تلك الهيئات والجمعيات النقاش العمومي بخصوص موضوع الهجرات واللجوء بالمغرب "أساسياً"، لكنّها رأت وجوب أن ينصبّ على تبنّي سياسة للهجرة ترتكز على قيم ومبادئ حقوق الإنسان الكونية وسنّ قوانين للهجرة واللجوء تحترم الكرامة المتأصلة في الإنسان دون تمييز، وكذلك المطالبة بالوقف الفوري للحملات الأمنية الممنهجة التي تستهدف المهاجرين وعائلاتهم؛ حملات الترحيل القسري في داخل المغرب وإلى الحدود الشرقية، الأمر الذي يشكّل خطراً على حياتهم.
من جهة أخرى، شدّدت الهيئات والجمعيات على ضرورة تنفيذ الدولة المغربية التزاماتها المدرجة في الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق العمّال المهاجرين وحقوق اللاجئين ومناهضة الخطاب العنصري كما المنصوص عليه في الاتفاقية الدولية للقضاء على كلّ أشكال التمييز العنصري، وفي اتفاقية القضاء على كلّ أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، واتفاقية حقوق الطفل، وكلّ الاتفاقيات الأخرى ذات الصلة.
ونبّهت تلك الهيئات والجمعيات إلى دور "الحياد السلبي" التي تؤدّيه منصات التواصل الاجتماعي (خصوصاً منصات شركة "ميتا") من خلال الاستمرار في "السماح بحضور خطاب عنصري تحريضي بشكل مفضوح، في حين تُحجب كلّ الخطابات المناهضة للأبرتايد الصهيوني الممارس على الشعب الفلسطيني".
كذلك جدّدت الهيئات والجمعيات نفسها مطلب إقرار قانون يجرّم كلّ أشكال التمييز والعنصرية لأيّ سبب كان، بما في ذلك الدين أو الجنس أو لون البشرة أو غير ذلك، ومهما كان مصدرها.
يُذكر أنّه في مؤتمر صحافي عُقد بعد اجتماع المجلس الحكومي المغربي الأسبوع الماضي، قال المتحدث الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس إنّ "المملكة ترفض كلّ حملات التمييز والكراهية ونشر الكراهية كيف ما كان نوعها وأصلها، وتجرّمها قانونياً بنصّ الدستور والاتفاقيات الدولية التي وقّعت عليها". ورأى بايتاس أنّ للمغرب "تجربة رائدة في دمج المهاجرين جعلتها تنتقل من بلد عبور إلى بلد استقرار"، داعياً جميع المتدخلين من أحزاب ومساحات للتنشئة الاجتماعية إلى "تحصين المشروع المغربي المنفتح والمحترم للآخرين".
والهيئات والجمعيات الستّ عشرة الموقّعة على البيان هي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وجمعية أطاك المغرب، ومجلة مساواة، وجمعية قوارب الحياة - العرائش، شبكة جمعيات الشمال للتنمية والتضامن، وجمعية مساعدة المهاجرين في وضعية صعبة - وجدة، والشبكة المغربية لصحفيي الهجرات، ومنظمة متضامنون-ات، وجمعية الفضاء الديمقراطي للتبادل الثقافي ببرشلونة، والجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي، ومغربيات ضد الاعتقال السياسي، والهيئة المغربية لحقوق الإنسان، وجمعية توازة لمناصرة المرأة - تطوان، والمرصد الأمازيغي للحقوق والحريات، وحركة ضمير، والجمعية المغربية للنساء التقدميات. وتجدر الإشارة إلى أنّ البيان مفتوح للتوقيع أمام كلّ المنظمات الديمقراطية والحقوقية والتقدمية.