- القانون يواجه انتقادات واسعة لمخالفته القانون الدولي وتهديده لحقوق الإنسان، مع حكم من المحكمة العليا بالمملكة المتحدة وردود فعل من الأمم المتحدة تطالب بإعادة النظر في السياسة.
- الاتفاق بين بريطانيا ورواندا يعكس توجه الحكومة لإيجاد حلول للهجرة غير النظامية، مع تصنيف رواندا ك"دولة ثالثة آمنة" وإعطاء الوزراء صلاحية التغاضي عن بعض القوانين، مما يثير قلقًا بشأن حقوق الإنسان.
صادق العاهل البريطاني الملك تشارلز الثالث، اليوم الخميس، على تشريع أساسي لخطة رئيس الوزراء ريشي سوناك القاضية بترحيل طالبي لجوء إلى رواندا. وتُعَدّ الموافقة الملكية المرحلة الأخيرة في العملية التشريعية، علماً أنّها لا تعدو في الواقع كونها مصادقة على القرار الذي اتّخذه البرلمان البريطاني في وقت سابق من هذا الأسبوع بالموافقة على مشروع القانون، بعد معركة طويلة ما بين الحكومة ومعارضي خطة رواندا.
والإعلان عن الموافقة الملكية في مجلس اللوردات يعني أنّ مشروع "قانون سلامة رواندا" أصبح قانوناً. وقبل يوم من موافقة البرلمان على مشروع القانون، أوّل من أمس الثلاثاء، صرّح سوناك بأنّه يتوقّع إقلاع أولى الرحلات الجوية إلى العاصمة الرواندية كيغالي في خلال عشرة أسابيع أو 12 أسبوعاً من تاريخ إقرار القانون.
وبعدما أقرّ البرلمان البريطاني، في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء، مشروع القانون المثير للجدال الذي يتيح للحكومة ترحيل طالبي لجوء وصلوا إلى المملكة المتحدة بطريقة غير نظامية إلى رواندا، برزت انقسامات حتى داخل حزب المحافظين الحاكم. وقد أتى ذلك ردّاً على الحكم الصادر عن المحكمة العليا في المملكة المتحدة في نهاية عام 2023 التي رأت أنّ إرسال مهاجرين إلى رواندا مخالف للقانون الدولي.
يُذكر أنّ أعضاء مجلس اللوردات كانوا قد أعادوا إلى مجلس العموم مشروع القانون لتعديله، المرّة تلو الأخرى، ليوافق هؤلاء في نهاية المطاف على عدم إدخال أيّ تعديلات إضافية إلى النصّ، الأمر الذي أتاح إقراره أوّل من أمس الثلاثاء. وعلى أثر ذلك، دعت الأمم المتحدة بريطانيا إلى إعادة النظر في ترحيل المهاجرين غير النظاميين إلى رواندا، محذّرة من أنّ الأمر يهدّد سيادة القانون ويمثّل "سابقة عالمية محفوفة بالمخاطر". وطالب المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك وكذلك المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي حكومة سوناك بـ"اتخاذ إجراءات عملية لمواجهة التدفقات غير النظامية لطالبي اللجوء والمهاجرين، تقوم على التعاون الدولي واحترام القانون الإنساني الدولي". بدوره، دعا مفوّض حقوق الانسان لدى مجلس أوروبا مايكل أوفلاهرتي الحكومة البريطانية إلى "الامتناع عن ترحيل الأشخاص تحت مظلة سياسة رواندا".
وكان النواب المحافظون قد تقدّموا، في أواخر عام 2023، بما أطلقوا عليه "قانون سلامة رواندا"، بعد فترة قصيرة من صدور حكم من المحكمة العليا في بريطانيا أفاد بأنّ ترحيل طالبي اللجوء إلى كيغالي غير قانوني بموجب القانون الدولي. وقد أُطلقت تحذيرات تؤكد أنّ مشروع قانون حكومة لندن الأخير لإعادة إحياء خطتها المثيرة للجدال "لا يتوافق" مع التزامات البلاد في مجال حقوق الإنسان.
قانون سلامة رواندا
قبل نحو عامَين، في إبريل/ نيسان 2022، أبرمت حكومة رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون اتفاقاً مع رواندا يقضي بترحيل طالبي لجوء من مختلف الجنسيات إليها، وذلك بعد وصولهم بطريقة غير نظامية إلى الأراضي البريطانية. لكنّ الرحلة الأولى في إطار خطة رواندا أُلغيت، بعدما كانت مقرّرة في يونيو/ حزيران 2022، وذلك بناءً على قرار صادر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان طالب بدارسة معمّقة لهذه السياسة. من جهتهم، رأى معارضو الخطة، منذ ذلك الحين، أنّها مخالفة للقانون الدولي وأنّ تنفيذها مستحيل وغير أخلاقي ومعقّد ومكلف، وقد قُدّمت شكاوى عديدة بشأنها إلى المحكمة.
وكانت حكومة جونسون، في خلال تولّيها الحكم، قد شدّدت على ضرورة إيجاد حلول جديدة للهجرة غير النظامية، بسبب فشل نظام اللجوء البريطاني في مواجهة تزايد أعداد المهاجرين. وقد راهنت لندن على هذه الخطة لمنع المهاجرين من عبور بحر المانش انطلاقاً من السواحل الفرنسية، على متن قوارب صغيرة.
من جهتها، جعلت حكومة ريشي سوناك مكافحة الهجرة غير النظامية أولوية لها، وهدّد رئيسها بعدم السماح لأيّ مهاجر غير نظامي من البقاء في البلاد. يُذكر أنّ الهجرة كانت في صلب النقاش بشأن الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016. ويركّز المحافظون على أزمة الهجرة قبل الانتخابات المتوقّعة هذا العام، التي تظهر استطلاعات الرأي الخاصة بها تقدّم حزب العمّال فيها على نطاق واسع.
وفي منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، قضت المحكمة العليا في بريطانيا بأنّ ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا يخالف القانون الدولي، موجّهة صفعة لرئيس الوزراء. فالمحكمة العليا رأت أنّ المهاجرين معرّضون لخطر الطرد من رواندا إلى بلدانهم الأصلية، إذ إنّهم قد يتعرّضون لمضايقات، وهو ما يتعارض مع المادة الثالثة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان المتعلقة بالتعذيب والمعاملة اللاإنسانية، والتي تُعَدّ المملكة المتحدة طرفاً فيها. لكنّ الحكومة أكّدت مجدداً رغبتها في مواصلة مشروعها واقترحت نصاً جديداً.
وردّاً على اعتراضات المحكمة العليا في بريطانيا، يصف نصّ القانون الجديد "قانون سلامة رواندا" الدولة الأفريقية بأنّها "دولة ثالثة آمنة"، تمنع طرد المهاجرين منها إلى بلدانهم الأصلية. وسوف تتولى كيغالي درس طلبات اللجوء المقدّمة من الأشخاص الذين سوف ترحّلهم لندن إليها. ومهما كان السبب، لن يتمكّن هؤلاء من العودة إلى الأراضي البريطانية. ويرتكز القانون على اتفاق جديد وقّعه البلدان في ديسمبر/ كانون الأول 2023، يمنح الوزراء صلاحية التغاضي عن أجزاء من القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان البريطاني.
تجدر الإشارة إلى أنّ الجناح اليميني في حزب المحافظين رغب في انسحاب لندن ببساطة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وغيرها من الاتفاقات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وذلك بهدف منع أيّ طعون قانونية من تحقيق أهدافها. وقد رأت وزارة الداخلية البريطانية أنّ 99.5 في المائة من طعون المهاجرين بالترحيل سوف تفشل استناداً إلى النصّ الجديد.
(رويترز، فرانس برس، العربي الجديد)