الوخز بالإبر الصينية... لمحة عن الخرائط السرية للجسم

28 نوفمبر 2021
العلاج بالإبر الصينية مستخدم منذ قرون طويلة (جي زاو/Getty)
+ الخط -

تُبرز الثقافة الصينية خريطة مسارات الطاقة الحيوية في جسم الإنسان، والتي تعرف محلياً باسم "تشي"، وإذا مرض الشخص يتم تتبع هذه المسارات المكونة من 365 نقطة، والتي يتركز معظمها في منطقة الظهر، لتحديد مكان الخلل أو الانسداد بواسطة الإبر الدقيقة، وبعدها يتم فتح المسام أمام تدفق الطاقة. وبالرغم من اعتماد الوخز بالإبر كعلاج في نحو 120 دولة، فإن كثيرا من الأطباء لم يحسموا أمرهم حياله، ويقول رافضون له إنه مجرد وهم يتم اللجوء إليه عندما يعجز الطب عن معالجة بعض الأمراض. يعتقد مؤرخون صينيون أن ممارسة الوخز بالإبر بدأت في الألفية الثانية قبل الميلاد، في عهد الإمبراطور هوانغ دي، وأنه انتشر بعد تلك الحقبة، ويستند هؤلاء إلى عثور علماء آثار في منطقة منغوليا الداخلية شمالي الصين، على إبر حجرية دقيقة يعود تاريخها إلى أكثر من ألفي عام قبل الميلاد.

صحة
التحديثات الحية

وحسب الرواية الشعبية، فإن جنوداً شعروا بنشاط غير معتاد بعد إصابتهم بسهام خلال إحدى المعارك، فبدأ الناس في تجربة وخز أجسادهم بالسهام أملاً في الشفاء من بعض الأمراض، وبمرور الوقت تحولت السهام إلى إبر، كانت حجرية في البداية، ثم معدنية، وصولاً إلى الشكل الفولاذي الحالي.

يقول جيانغ بوو، مدير أحد مراكز الوخز بالإبر في بكين، لـ"العربي الجديد"، إن "ممارسة الوخز جاءت نتاج تراكم تعاليم معرفية توارثتها الأجيال عبر الطب التقليدي. الشعب الصيني واجه العديد من الأمراض في مختلف الحقب الزمنية، وحتم ذلك البحث عن أساليب تساعده في مكافحة هذه الأمراض، ومن هنا ظهرت الإبر، وحجامة الظهر، وغيرها من طرق العلاج التقليدية".

ويشرح الطبيب الصيني، أن "هناك مسارات محددة للطاقة في داخل الجسم، منها ما يتصل بالقلب والكبد والرئتين والكليتين، ومنها ما يرتبط بالأعضاء الخارجية والأطراف"، وأضاف أن "تتبع هذه المسارات بواسطة الإبر يمكّن الطبيب من تحديد مكان العلة، فيعمل على ضبط التوازن بتعديل منسوب الطاقة بين داخل الجسم وخارجه، ويستطيع أن يتنبه إلى ذلك من خلال عوامل بينها درجة حرارة الجسم، ولون البشرة، واتساع بؤبؤ العين، وسرعة الدورة الدموية". 

يتخدم العلاج بالإبر الصينية في أكثر من 100 دولة (ماركوس ماتزل/Getty)
يستخدم العلاج بالإبر الصينية في أكثر من 100 دولة (ماركوس ماتزل/Getty)

ولفت إلى أن ممارسة الوخز بالإبر الصينية معتمد كعلاج طبي في دول عدة من بينها الولايات المتحدة، وفرنسا، وجنوب أفريقيا، واليابان، وكوريا الجنوبية، وأن "الطب التقليدي الصيني حقق نجاحات كبيرة بفضل البعثات الطبية التي ازدهر نشاطها خلال العقدين الماضيين، ويدلل على ذلك الإقبال الكبير من الأوروبيين على هذا النوع من العلاج بالرغم من أنه يتعارض مع المعتقدات الغربية التي تميل إلى المادية، على خلاف إيمان الصينيين المطلق بالطاقة الروحية". بدوره، يقول الباحث في معهد العلوم الوطنية بمقاطعة جيانغ شي، قوه لي خوا، لـ"العربي الجديد"، إن تقنية الوخز بالإبر تقوم على فلسفة صينية قديمة تعرف بـ"اليين واليانغ"، ويرمز إليها بدائرة تمثل الكون، وتنقسم إلى نصفين متساويين: نصف أبيض يمثل الطاقة الإيجابية، وآخر أسود يمثل الطاقة السلبية. وأضاف أن "هذه الفلسفة تُستخدم كمبدأ أساسي في الطب التقليدي الصيني، على اعتبار أن جسم الإنسان، كسائر المخلوقات في الكون، يتكون من مضادين: الضعف والقوة، أو الجبن والشجاعة، أو البرودة والسخونة، وبالتالي فإن أي علة لها علاقة باختلال ما في التوازن، ما يعني أن مفهوم المرض وفق الثقافة الصينية، هو زيادة نسبة اليين على اليانغ أو العكس، أي اضطراب الدائرة الكونية الصغيرة داخل الجسم". ويشرح أن "ارتفاع درجة الحرارة يعني أن نسبة اليانغ، التي تمثل الجزء الساخن من الجسم، بدأت بالزيادة بسبب نقص نسبة اليين، وهو الجزء البارد، وهذا أمر يصاحبه صداع في الرأس، واحمرار وشحوب في الوجه، فيكون العلاج بضخ مزيد من الطاقة الحيوية في منطقة النقص لتحقيق التوازن، ويتم ذلك بالوخز بإبر دقيقة في مسارات محددة لفتح المسام، والوصول إلى الأوعية الدموية التي تغذي منطقة اليين". 

وأظهرت دراسة لمعهد العلوم الوطنية، أن 75 في المائة من الصينيين الذين استطلعت آراؤهم، يفضلون العلاج بالطب التقليدي على الذهاب إلى المستشفيات والعيادات الطبية، وفي المقابل يرى 22 في المائة أن الطب البديل لم يعد وسيلة ناجعة لعلاج الأمراض، وأنه بحاجة إلى تطوير أدواته لمواكبة العصر. وأثبتت أبحاث علمية حديثة نجاعة الوخز بالإبر الصينية، وأنه يحفز الدماغ على إفراز المورفين الذي يعمل على تخفيف الآلام، فضلاً عن قدرته على تقوية الجهاز المناعي من خلال تنظيم نبضات القلب، والحفاظ على مستوى ضغط الدم. 

المساهمون