انتهاكات فظيعة في سجون سرية ليبية

08 أكتوبر 2021
سجون ليبيا معاقل للمعاملة غير الإنسانية (أحمد إيزغي/ الأناضول)
+ الخط -

لا يزال ملف السجون السرية من الملفات المقلقة خلال المرحلة الانتقالية السياسية الحالية التي تعيشها ليبيا بعد الحرب. ويزيد أهميته ارتباطه بالترتيبات الأمنية المطلوبة لتنظيم الانتخابات، والذي يجعله على رأس أولويات تهيئة الظروف المثالية لتنظيمها. 
ومنذ أن تولّت مهامها في مارس/ آذار الماضي، تعهدت الحكومة بتشكيل لجنة بمشاركة دولية للإفراج عن جميع السجناء المحتجزين من دون أوامر ضبط أو قضايا مرفوعة ضدهم. وجاء ذلك في تصريحات أدلت بها وزيرة العدل حليمة عبد الرحمن، وجددتها إثر إطلاق السلطات سراح عدد من رموز النظام السابق من سجون طرابلس مطلع سبتمبر/ أيلول الماضي.
وفي أغسطس/ آب الماضي، أعلنت وزارة العدل إغلاق عدد من السجون السرية بعدما أعادت حوالى مائة من مقاتلي تنظيم "داعش" كانوا محتجزين فيها إلى بلدانهم. لكن عشرات السجون لا تزال خارج سلطة الوزارة، وتشهد انتهاكات لحقوق سجنائها، وتنفيذ أحكام ضدهم خارج سلطة القانون

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويعتبر سجن قرنادة قرب مدينة البيضاء (شرق)، الذي يخضع لسلطة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، أحد السجون ذات السمعة الأكثر سوءاً في ليبيا. وشهد في منتصف أغسطس/ آب الماضي تمرد سجناء داخل زنزاناته وهروب 29 منهم، ما يعكس، بحسب الناشط في مجال حقوق الانسان نضال أبوريمة، "الحجم الكبير للانتهاكات التي يتعرضون لها"، علماً أن وكيل وزارة الداخلية فرج قعيم أقرّ بحدوث التمرد الذي "جرت السيطرة عليه بالكامل". 
ويقول أبو ريمة الذي يدير مؤسسة "حقي" للحريات الأهلية، وتابع تفاصيل واقعة التمرد في سجن قرنادة، لـ"العربي الجديد": "ليس هذا التمرد الأول في هذا السجن الذي يشهد كمية كبيرة من التعذيب والعنف تدفع السجناء إلى محاولة الهرب، وتكرارها مرات في حال عدم النجاح. والانتهاكات لا تزال على حالها داخل زنزاناته رغم الانتقادات التي وجهتها منظمات محلية ودولية غير حكومية، وتنديدها في مناسبات عدة بأوضاعه، وبمنع ممثليها من الوصول الى سجناء فيه، والتحدث معهم للتعرف على أحوالهم". 
وحول طبيعة التهم التي يواجهها نزلاء السجون التي لا تخضع لسلطة الدولة، خصوصاً في قرنادة، يوضح أبو ريمة أن "غالبية التهم تتعلق بالمواقف من الصراعات الحاصلة في البلاد، سواء على صعيد القبول بحكم العسكر أو معارضة الإجراءات العسكرية أو السياسية، وأعتقد شخصياً بأن الموجودين فيه اليوم أفضل حظاً ممن جرت تصفيتهم وسط ظروف غامضة، لأنهم يعيشون على أمل الإفراج عنهم". 

السجون تضم معتقلين بسبب آراء (أحمد إيزغي/ الأناضول)
السجون تضم معتقلين بسبب آراء (أحمد إيزغي/ الأناضول)

يضيف: "المنظمات الأهلية العاملة في مجال حقوق الانسان تلقت بلاغات من أهالي اشتكوا من اعتقال أبنائهم لأسباب غير اعتيادية، بينها نشر تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي عبّروا فيها عن آرائهم بشأن أمور حصلت في بنغازي أو في مدن أخرى شرقي ليبيا، علماً أن هذه الشكاوى لا تقتصر على نزلاء سجن قرنادة، فسجن برسس شرق بنغازي يوجد فيه أيضاً مئات من النزلاء، بينهم نساء ذاقت ويلات التعذيب، وكذلك سجون أخرى غربي البلاد وجنوبيها". ويشدد على ضرورة حل هذا الملف عبر نقله من يد جماعات مسلحة الى مسؤولي ملف المصالحات الوطنية والاجتماعية، الذين "نجحوا في أكثر من مناسبة في إقناع أطراف الصراع بتبادل محتجزين وأسرى حرب".
وكانت منظمة رصد الأهلية الحقوقية أشارت، في تقرير أصدرته في سبتمبر/ أيلول 2019، إلى وفاة مواطنين داخل سجن قرنادة "بسبب الإهمال الصحي"، وبينهم شاب في الـ23 من العمر توفي بمرض رئوي بعدما رفض مسؤولو السجن معالجته ووصول أطباء إليه، وآخر في الـ65 من العمر لم يسمح بحصوله على أدويته الخاصة بمرض السكري وضغط الدم. كما أكدت المنظمة أن السجن يعجّ بالأمراض المعدية. 
ويكشف أبو ريمة أن "تقرير منظمة رصد الأهلية الحقوقية ترافق حينها مع تأكيد منظمة هيومن راتيس ووتش لحقوق الإنسان وجود حالات تعذيب مروعة في قرنادة، وعدم قدرة النزلاء على الوصول الى محامين ومحاكم من أجل عرض أوضاعهم السيئة". 
واللافت أن الأوضاع السيئة السائدة في السجون السرية والانتهاكات التي تحدث فيها أخذت بعداً دولياً أكثر خطورة، إذ حذرت منظمة العفو الدولية حكومة الوحدة الوطنية برئاسة فايز السراج من خطورة إضفاء طابع شرعي على المجموعات المسلحة عبر منحها أموالاً من ميزانيتها. كما كشفت المنظمة، في تقرير أصدرته مطلع أغسطس/ آب الماضي، "ارتكاب عناصر أجهزة أمن حفتر انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان من أجل إسكات المنتقدين والمعارضين، وبينها اعتقالات غير قانونية وإخفاء قسري وتعذيب بطرق مختلفة".  
وتحدثت المنظمة عن اعتقالات "بهدف الانتقام من آراء السجناء وسحق أي انتقاد لأركان السلطة في شرق ليبيا"، وعن  توقيف أشخاص بينهم نساء وأطفال، "بلا أمر قضائي، داخل منازلهم أو لدى تنقلهم في شوارع وأماكن عامة".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ونقلت المنظمة عن ناجين من هذه السجون التقتهم في الخارج تأكيدهم أنهم "تعرضوا لضرب بأعقاب بنادق وأنابيب، وجرى تهدديهم بالإعدام وبتعريضهم لعنف جنسي واحتجازهم إلى أجل غير مسمى، وممارسة عنف ضد أفراد من عائلاتهم بغرض انتزاع معلومات أو اعترافات". 

المساهمون