تعاني الطفلة الإيرانية فاطمة، منذ ولادتها قبل ثمانية أعوام، من مرض انحلال البشرة الفقاعي، لكنّ العقوبات الأميركية التي تواجهها البلاد حرمتها منذ عام 2018 من الضمادات الضرورية التي يحتاج إليها المصابون بمرضها نفسه لتخفيف الألم ومنع الالتهابات وامتدادها، خصوصاً هؤلاء الذين يعانون من حالات جلدية صعبة وخطيرة.
ومرض انحلال البشرة الفقاعي تتسبّب فيه مجموعة من الاضطرابات الوراثية التي تصيب النسيج الضام، فتؤدّي إلى تقرّحات جلدية مؤلمة جداً. والمصابون بهذا المرض بمعظمهم من الأطفال الذين يُطلق عليهم غالباً اسم "أطفال الفراشة"، لأنّ بشرتهم هشّة مثل أجنحة الفراشة. وحتى يومنا، لا علاجات لهذا المرض، أمّا الضمادات المنتَجة في السويد فمهمّتها المساعدة على منع تدهور المرض ليس إلا. لكنّها كما أدوية أخرى غير متوفّرة بسبب العقوبات الأميركية ورفض الشركة السويدية المصنّعة تزويد الجهات الإيرانية المعنية بها. يُذكر أنّ منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) وفّرت تلك الضمادات لمن يحتاجها من المرضى الإيرانيين في العام الأخير.
تخبر والدة فاطمة "العربي الجديد" أنّ وضع صغيرتها "ساء بعد حرمانها من الضمادات على أثر سريان العقوبات قبل أربعة أعوام، فتفاقمت حال تقرّحاتها وصارت تعاني من نزيف وآلام شديدَين". تضيف بحزن شديد أنّ "السنوات الماضية كانت الأصعب بالنسبة إلى ابنتي التي عانت لدرجة تفوق التصوّر، خصوصاً خلال عملية الاستحمام". وتشير الوالدة إلى أنّ ثمّة مصابين بانحلال البشرة الفقاعي بُترت أعضاء من أجسادهم، وثمّة آخرين توفوا بسبب تفاقم أوضاعهم الصحية نتيجة حرمانهم من الضمادات".
ولا تخفي والدة فاطمة أنّه "بسبب التقرّحات على ظهر ابنتي وعدم توفّر الضمادات، لم تتمكّن من الجلوس طوال عامَي 2018 و2019، لذلك كانت تأكل وتشرب وهي مستلقية على الأرض، الأمر الذي جعل الطعام يعلق في حلقها، وقد أدّى ذلك إلى مشكلات وخيمة في المريء. حتى إنّه كان يصعب عليها ابتلاع لعابها". تضيف الوالدة أنّه "في هذا الإطار، اضطرت فاطمة إلى الخضوع لثلاث عمليات لفتح الحلق والمريء في العام الماضي، حتى تتمكّن من تناول الطعام قليلاً وابتلاع لعابها بسهولة".
وتلفت الوالدة إلى أنّ "ثمّة ضمادات مشابهة أخرى لكنّها غير نافعة، وأحياناً تفاقم وضع المريض"، مشدّدة على أنّ تلك المصنّعة في السويد هي "الوحيدة النافعة". وتشرح أنّه "من دون الضمادات، يلتصق الجلد بالملابس ويصعب خلعها، كذلك قد يلتصق الجلد بعضه ببعض أجزاء الجسد". وإذ تؤكد أنّ المرضى يتلقّون منذ عام تقريباً الضمادات التي سلّمتها "يونيسف" إلى وزارة الصحة الإيرانية في العام الماضي، تشير إلى أنّها توزَّع كذلك من خلال جمعية "مرضى انحلال البشرة الفقاعي" الإيرانية الأهلية. وتعبّر عن أملها أن "يستمرّ هذا الوضع وأن تُرفع العقوبات"، مع التأكيد أنّ "ثمّة مخاوف كبيرة تراود أسر المرضى إزاء نفاد الضمادات التي خصّصتها يونيسف للجمعية". وتتحمّل عائلات المرضى تكاليف باهظة شهرياً بسبب مضاعفات المرض، علماً أنّ "الحكومة الإيرانية لا تقدّم دعماً في هذا الإطار"، بحسب ما تقول والدة فاطمة التي تشكر جمعية "مرضى انحلال البشرة الفقاعي" التي تقدّم خدمات مجانية للعائلات.
ويتراوح عدد الإيرانيين المصابين بانحلال البشرة الفقاعي ما بين ألف و1200 شخص، بحسب ما أوضح رئيس الجمعية حميد رضا هاشمي غلبايغاني، الذي لفت إلى أنّه تمّ التعرف إلى 850 شخصاً منهم وهم يتلقّون الخدمات التي توفّرها الجمعية. أضاف هاشمي غلبايغاني، في حديث إلى وكالة "ميزان" التابعة للسلطة القضائية الإيرانية، أنّ عدد هؤلاء المرضى في إيران أكثر من بقية الدول، عازياً السبب إلى زواج الأقارب. وتابع هاشمي غلبايغاني أنّ 95 في المائة من المرضى المستفيدين من خدمات الجمعية هم أولاد أزواج من الأقارب. ولفت هاشمي غلبايغاني إلى أنّ ابنه يعاني من هذا المرض، شارحاً أنّ زوجته هي ابنة عمّه.
واستمرار معاناة هؤلاء المرضى وأسرهم دفعهم إلى رفع شكوى ضدّ الشركة السويدية في العام الماضي، بحسب ما يقول محاميهم محمد ذاكر حسين، الذي يدير المركز الإيراني للقانون الجنائي الدولي المسجّل في هولندا ويحظى بموقع استشاري لدى منظمة الأمم المتحدة. ويضيف ذاكر حسين لـ"العربي الجديد" أنّهم "رفعوا الشكوى لدى مركز الاتصال الوطني السويدي، مطالبين برفع الحظر عن هؤلاء المرضى ودفع تعويضات لهم". ويوضح ذاكر حسين أنّ "شركة مونليكه حظرت منذ عام 2018 عن مرضى انحلال البشرة الفقاعي الإيرانيين الأدوية والضمادات الضرورية، بدواعي العقوبات الأميركية"، مؤكداً أنّ "عدداً كبيراً من هؤلاء المرضى فقدوا أرواحهم، فيما أصيب آخرون بأضرار جسدية حادة من قبيل بتر أطراف".
يضيف ذاكر حسين أنّ مركز الاتصال الوطني السويدي يتبع لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الدولية للإشراف على أداء الشركات متعدّدة الجنسيات في الدول الأعضاء بالمنظمة، مشدداً على أنّ "هذه الشركات ملزمة بمراعاة ضوابط حقوق الإنسان وتبني سلوك تجاري مسؤول".
لكنّ مركز الاتصال الوطني السويدي أصدر، بحسب ذاكر حسين، "قراراً مفاجئاً منحازاً مليئاً بالأخطاء القانونية في ديسمبر/ كانون الأوّل من عام 2020، رفض فيه الشكوى التي تطالب الشركة السويدية بدفع تعويضات". ويوضح أنّ "الشركة السويدية في تقييمها الأوّلي لم تأخذ بالدفاع والأدلة التي قدّمها مركز القانون الجنائي الدولي الإيراني، وزعمت أنّها أرسلت إلى إيران الضمادات عبر منظمة يونيسف. لكنّنا دحضنا هذا الزعم الكاذب عبر تقديم مستندات أكّدت أنّ إرسال الضمادات عبر المنظمة الأممية أتى بعد عامَين، وذلك بعد حظرها عن إيران ووقوع خسائر بشرية". ويتّهم المحامي الإيراني الحكومة السويدية بأنّها "غضّت الطرف بشكل واضح عن انتهاك سافر لحقوق الإنسان من قبل إحدى شركاتها، ولم تتّخذ أيّ إجراء لتحقيق العدالة لضحايا جريمة العقوبات".