لطالما ارتبطت تسمية المواليد الجدد في الصين بالأعراف الاجتماعية المتعارف عليها في البلاد. ويأخذ آباء كثيرون في الاعتبار عند تسمية أبنائهم توافر العناصر الخمسة التي تمثل الكون، بحسب الاعتقاد الصيني، وهي المعدن والخشب والماء والنار والأرض، استناداً إلى وقت الميلاد ومكانه، إضافة إلى السنة القمرية من أجل اختيار الحروف الصينية التي تعمل على تنسيق هذه العناصر معاً.
أيضاً ارتبطت بعض الأسماء بالأوقات الاقتصادية الصعبة. ومثلاً، كان يُطلق على الأولاد أسماء مثل تيه دان، أي البيضة الحديدية، وآرغو، أي الكلب الثاني، بسبب الاعتقاد بأن الأطفال ذوي الأسماء القاسية كانوا أكثر قابلية للنمو والتغلب على صعوبات الحياة.
وباعتبار أن سياسة الطفل الواحد التي انتهجتها الصين لعقود من أجل تحديد النسل أفرزت مجتمعاً ذكورياً يكافح كي يكون الطفل الوحيد ذكراً، شاعت أسماء تعكس الهاجس المجتمعي في إنجاب الذكور وتفضيلهم على الإناث، مثل شينغ نان الذي يعني مزيداً من الذكور، وجاو دي الذي يستدعي الشقيق الأصغر. وكانت هذه الأسماء الأكثر انتشاراً وشيوعاً في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.
أما اليوم، فظهرت اتجاهات حديثة تتعارض مع الأعراف السائدة، مثل اختيار أسماء أجنبية، وأخرى تدمج حروفاً من اسمي الوالدين، أو أسماء مشاهير الدراما الصينية ونجومها، أو أسماء مقاطع صوتية موسيقية بغضّ النظر عن دلالاتها في المجتمع. وواجهت هذه الظاهرة انتقادات من المحافظين التي وصفوها بأنها "انقلاب على التقاليد الصينية".
خيار شخصي
تعتقد دا سون، وهي أم لثلاثة أبناء، بأن تسمية الأطفال خيار محض شخصي لا يجب أن يخضع لأي تقاليد أو أعراف مجتمعية، أو يعكس ثقافة محددة. وتقول لـ"العربي الجديد": "اخترت مع زوجي أسماءً لأبنائنا تنسجم مع روح العصر الحديث، فابنتي البكر تدعى سون لي، نسبة إلى ممثلة صينية شهيرة لاقت أعمالها الدرامية رواجاً كبيراً خلال السنوات الأخيرة. وابني الأوسط يدعى دو دي، وهو اسم أجنبي اخترته لأنني أخطط لإرساله للدراسة في المملكة المتحدة بعد أن يجتاز امتحان غاو كاو المؤهل للمرحلة الجامعية. أما ابنتي الصغرى، فتدعى شياو سون، أي سون الصغرى، نسبة إلى اسم أمي".
تتابع: "عارضت أسرتي المحافظة في البداية اسم دو دي، وقالت لي إنه اسم لا يناسب الأطفال لأنه يقترن عادة بالقطط، لكنني رفضت التدخلات، وشرحت للجميع أن الأمر يتعلق بمستقبل أبنائي، وبالتالي يجب أن يحترموا رغبتي وعدم محاولة التأثير علي في هذه المسألة الخاصة".
في المقابل، يعتبر تشيانغ وي، وهو أب لطفل وحيد، أن الخروج عن الأسماء المتداولة "هو انقلاب مرفوض على القيم التي ميّزت المجتمع الصيني طوال قرون، ويقول لـ"العربي الجديد": "لا يمكن تفسير الجنوح السائد في خيارات الأسماء إلا في كونه نتاج حملات التغريب والتقليد الأعمى لكل ما هو أجنبي. وهذا الأمر لا ينحصر في اختيار أسماء حديثة، إذ ينعكس في ممارسات وسلوكيات عدة، مثل الأزياء وملابس جيل الألفية الثانية، والتهافت على مطاعم الوجبات السريعة، وإدمان الألعاب الإلكترونية وممارسات أخرى تهدف إلى تدمير المجتمع الصيني من الداخل".
انعكاس لمرحلة
ويعلّق الباحث في مركز "خي دان" للدراسات الاجتماعية بالعاصمة بكين، تشو جيانغ، على الظاهرة بالقول لـ"العربي الجديد" إن "كل سلوك جديد هو انعكاس لمرحلة زمنية تنتج تقلبات اجتماعية وثقافية واقتصادية، ولا يجب أن نحاكم السلوك، بل دراسة المرحلة وملاحظة إفرازاتها. ورغم ظهور طفرة في ما يتعلق بتسمية المواليد، لكن التقاليد والأعراف الاجتماعية لا تزال تلعب دوراً مركزياً في المسألة، والأسماء الدخيلة لا تمثل أكثر من 5 في المائة من إجمالي الأسماء".
ويلفت إلى أن "أغلب المجتمع الصيني يتبع التعاليم البوذية السائدة منذ أكثر من 2500 عام، وأقصى ما ينشده هذا المجتمع في تسمية الأبناء، تحقيق الانسجام والتوازن بين عناصر الطبيعة الأساسية لضمان توفير طاقة إيجابية للمولود تساعده في شق طريقه نحو الرخاء والحياة الرغيدة".
ويشير إلى أن "بعض الاتجاهات الجديدة تتعلق بمتطلبات المرحلة، فالعديد من الآباء يرغبون في أن يدرس أطفالهم في الخارج لذا يعدّونهم منذ الصغر للانسجام في المجتمعات الغربية بدءاً باختيار أسماء مناسبة لهم، خصوصاً أن تلك الصينية مركّبة ويصعب النطق لغير الناطقين باللغة الصينية. أيضاً لا يستحسن بعض صينيي الجيل الجديد الأسماء القديمة التي يعتقدون بأنها كلاسيكية لا تتناسب مع روح العصر، لذا يفضلون اختيار أسماء أكثر حداثة وغير متداولة لتمييز أبنائهم عن أقرانهم".
ويلفت تشو أيضاً إلى "انقلاب إيجابي أحدثته الظاهرة ضد الأسماء الذكورية التي دفع ثمنها جيل كامل من الإناث في المجتمع. وقد أشاعت سياسة الطفل الواحد هذه الأسماء، فأظهرت الأنثى بأنها كائن غير مرغوب فيه داخل مجتمع ذكوري، ثم عرّضها ذلك لاحقاً لتنمر في محيطها الاجتماعي، خصوصاً بعدما أوقفت الدولة سياسات تحديد النسل وسمحت للعائلات بإنجاب ثلاثة أطفال، فكان من المستهجن أن تجد فتاة تحمل اسماً ذكورياً، ما ألحق أضراراً نفسية كبيرة بشريحة كبيرة من الإناث".
وتكشف أرقام حديثة أصدرها المركز الصيني للسجل المدني أن نحو 50 ألف فتاة حملت أسماءً ذكورية خلال العقد الماضي، وأن نحو 82 في المائة من هذه الفتيات ينتسبن إلى أسر الطفل الواحد، و18 في المائة منهن إلى أسر أنجبت أكثر من طفل.