يملك السوري محمد رمضان عربة منذ خمسة وعشرين عاماً، يجول بها في شوارع مدينة إدلب (شمال سورية) سعياً خلف لقمة العيش وسط ظروف صعبة، إذ يعاني من أمراض مزمنة. صباح كل يوم، يجهز السكاكر والبسكويت وغيرها من المأكولات، متوجهاً إلى الأماكن التي يتجمع فيها الناس.
يقول إن عمله ليس سهلاً وخصوصاً أنه مصاب بأمراض السكري والربو إلا أنه مجبر على إعالة أسرته، مؤكداً في الوقت نفسه أنه يرفض الاستسلام. وفي الوقت الحالي، يشكو ارتفاع درجات الحرارة والشمس الحارقة، علماً أن العمل في فصل الشتاء ليس سهلاً أيضاً وخصوصاً حين يشتد البرد وتتساقط الأمطار. ويقول إن دفع العربة لوقت طويل منهك، لكنه ما من خيار آخر. قبل حلول عيد الفطر، "كنت أبيع الملابس على العربة. وبعد العيد ومع توقف حركة البيع، اتجهت إلى بيع السكاكر والمكسرات والبسكويت، وأحاول أن أتدبر أمور الحياة اليومية".
يفضل رمضان العمل في محل تجاري حتى لا يكون مجبراً على الخروج من البيت في الصباح الباكر، والعمل تحت أشعة الشمس طوال النهار. لكن لا قدرة لديه على فتح محلّ يهون عليه مشقة الحياة. وينتشر الباعة الجوالون في عموم مناطق الشمال السوري، ويتخذ البعض من السيارة أو الدراجة النارية أو العربة وسيلة لعرض السلع. وعلى الرغم من أن الكثير من الأشخاص الذين يمتهنونها يشكون مشقتها، إلا أنهم مضطرون إلى العمل بسبب عدم وجود مصدر دخل بديل. كما يخشون المرض أو عدم القدرة على العمل، ما يجعلهم رهينة واقع قاس.
وسط مدينة إدلب، يركن محمود برمكي سيارته التي يبيع فيها أدوات الزينة والتجميل، وقد نزح من قرية تل مرديخ القريبة من مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي. ويقول إن عمله بالكاد يكفيه لتأمين قوت يومه. ويوضح أنه يتوجه إلى مدينة إدلب عند الساعة السابعة صباحاً. "أركن سيارتي في أحد الشوارع عند نقطة معينة، وأعلق السلع على السيارة. وفي حال لم أجد إقبالاً في نقطة معينة، أنتقل إلى مكان آخر وأبقى ثابتاً حتى الساعة الرابعة مساء. وفي المساء، أتوجه إلى سوق الخضار لشراء بعض الحاجيات حتى تتمكن زوجتي من إعداد الطعام، لأعود إلى محل إقامتي خارج مدينة إدلب".
يتابع برمكي: "الحياة صعبة للغاية، أنا مجبر على الوقوف تحت أشعة الشمس الحارقة لساعات طويلة في الوقت الحالي. وأحياناً، قد يؤدي الهواء إلى وقوع بعض السلع على الأرض. وفي فصل الشتاء، عانيت من البرد القارس، كما أن الغبار يضايقني. تتألف عائلتي من 6 أفراد، وأنا محروم من تمضية الوقت مع أطفالي. كما أنهم لا يتناولون الطعام حتى أعود إلى المنزل بسبب عدم وجود محل قريب من المسكن لشراء الخبز وغيره من الحاجيات".
بدأ برمكي العمل في هذه المهنة منذ 7 أشهر. استدان ثمن السيارة التي يعمل عليها، مشيراً إلى أن دخله من العمل الحالي لا يكفي لتلبية احتياجات أسرته من مصاريف يومية وطعام. وفي حال باع السيارة ليسدد دينه، لن يكون لديه أي مصدر دخل آخر.
ويقول برمكي إنه في اليوم الذي لا يستطيع فيه العمل، بالكاد يوفر الخبز لأسرته. "أعجز أحياناً عن شراء ممحاة أو قلم أو حقيبة أو حتى بنطال لأطفالي. فما أوفره من عملي هو دخل يومي فقط. وفي حال كان لدي ربح، أشتري للأطفال التفاح والبرتقال لكن هذا صعب. أشتاق لبلدتي التي تربيت فيها، وأمضيت عمري وأنا أعمل في لبنان حتى بنيت منزلي. عملت في لبنان مدة 12 عاماً، وأمضيت معظم سنوات عمري بعيداً عن أولادي. وفي الوقت الحالي، أعجز عن النوم بسبب كثرة التفكير في المستقبل، وأستيقظ باكراً لأذهب إلى عملي، وأتمنى وجود منظمة أو جهة تقدم دعماً لي ولأمثالي"، مشيراً إلى أن هذه المهنة "تتطلب الصبر والكثير من الإكسسوارات حتى توفر لي الدخل الكافي".
ولا تقتصر المهنة على كبار السنّ أو من لديهم عائلات في إدلب. بعض الشبان اختاروا هذه المهنة للابتعاد عن البطالة والاستغلال. ويقول الشاب حمدي أسود، الذي يخرج إلى سوق الهال في مدينة إدلب في ساعات مبكرة من الصباح، لـ "العربي الجديد": "أبحث عما هو رخيص لبيعه على العربة". وغالباً ما يجلس تحت ظل شجرة على مقربة من مستشفى الأطفال في مدينة إدلب، أو أمام مسجد قريب. يضيف: "العمل صعب لكوني مجبرا على الاستيقاظ في وقت مبكر جداً والذهاب إلى سوق الهال والبحث على نوع من المواد الرخيصة التي يمكن بيعها. وتشغلني أمور كثيرة تتعلق بكيفية تأمين مستقبلي، وآمل أن يكون لدي محل أستقر فيه خلال الأيام المقبلة. العمل صعب في الصيف وخصوصاً حين ترتفع درجات الحرارة. أتطلع لما هو أفضل بالنسبة لي لكني أجد الأفق مسدوداً في الوقت الحالي".