وجّهت عائلات الأسرى الفلسطينيين، رسائل صوتية، عبر برنامج "بريد الأسرى" الذي يبث عبر أثير إذاعة القران الكريم في نابلس، للاطمئنان على أخبار أبنائهم وصحتهم، خصوصاً في ظل الظروف الصعبة التي يواجهونها منذ الـ 7 من أكتوبر، وانقطاع الزيارات العائلية، وشحّ المعلومات عن أحوالهم.
"قرأنا اسمك ضمن قوائم الأسرى الذين مددوا اعتقالهم الإداري، وفرحنا كثيراً، لكونك بخير. من يوم ما سمعنا أنهم اقتحموا القسم الذي أنت فيه والاعتداء عليكم من وحدات القمع الإسرائيلية واستشهاد واحد منكم وقلوبنا تغلي خوفاً، والنوم لا يعرف طريقاً لعيوننا، لكن هلأ اطمنا عليك. ربي يحميك ويحرسك، ويرجعك لنا سالم".
كانت هذه إحدى الرسائل الصوتية بصوت زوجة أسير خلال برنامج بُثَّ عبر أثير إذاعة محلية في الضفة الغربية المحتلة، وفيه تعرب عن فرحتها بورود اسم زوجها ضمن قائمة الذين حصلوا على تمديد اعتقالهم الإداري لستة أشهر. فهذا الخبر، رغم أنه في مضمونه محزن لبقائه في الأسر مدة إضافية، غير أنه مؤشر إيجابي على أنه ما زال على قيد الحياة.
رسالة أخرى، كانت من الطفل أحمد لوالده الأسير وديع خطاب، يعلمه فيها أنه اجتاز الفصل الدراسي الأول من الصف الخامس بامتياز، وأن علاماته متفوقة كما وعده ساعة اعتقاله من قوات الاحتلال الإسرائيلي التي اقتحمت منزلهم في نابلس يوم العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
يقول الطفل في تسجيل بثته الإذاعة أيضاً: "بابا، أنا الأول على الصف زي ما وعدتك. ما تخاف علينا إحنا بخير. ماما درّستني منيح، وأنا درّست أخوي الصغير أمجد، وهو كمان جاب الأول. كلنا اشتقنا لك، وإذا سمعتنا يا ريت تحاول تسمعنا صوتك أو تبعث رسالة مع المحامي أو مع أسير مروح".
أما الحاجة رسمية عبد الله، فقد أرسلت تسجيلاً تبلغ فيه ابنها الأسير عاصم أن الله قد رزقه ابنه البكر يحيى، وأن المولود وأمه بألف خير. تقول في رسالتها القصيرة: "كم كنّا حابين تكون معنا حتى تكتمل الفرحة. الله ينتقم من اللي حرمنا نفرح مع بعض. ما تخاف أم يحيى بخير ويحيى طالع شبهك. لا تطول الغيبة علينا يا أمي".
بريد الأسرى...الوسيلة الوحيدة
"العربي الجديد" تواصل مع أمّ الأسير عاصم التي بكت وهي تتحدث عن شوقها لابنها وخوفها الشديد عليه وعلى بقية إخوانه الأسرى. وتقول: "اعتُقل ابني عاصم أول مرة منذ أن كان في السادسة عشرة من عمره، وهو اليوم على أبواب الثلاثين، لكن هذا الاعتقال هو الأصعب على الإطلاق. فلا توجد زيارات لعائلات المعتقلين ولا حتى للمحامين، والمعلومات التي تصلنا عمّا يتعرض له الأسرى في سجون الاحتلال مرعب، لذلك لم نجد وسيلة للتواصل معه إلا عبر إرسال تسجيلات صوتية لإذاعة القرآن الكريم من نابلس والتي تبثها في برنامجها المخصص للأسرى".
وتضيف الأم: "لا نعلم إن كان يسمعنا أو لا؟ فقد سحبت إدارات السجون كل وسائل الاتصال، وإن أجرت عمليات تفتيش في غرف الأسرى ووجدت مذياعاً صغيراً، تعاقبهم عقاباً شديداً جداً، ومع هذا فهم لا يعدمون الوسيلة".
إصرار على تحدي الواقع
يقول أسير محرر -طلب عدم الكشف عن اسمه، وأُفرج عنه قبل نحو أسبوعين- "إن الأوضاع في سجون الاحتلال لا توصف، وإن ما يخرج من تسريبات لا يقارن بالحقيقة، ومع هذا فهناك إصرار على التحدي وتجاوز تلك المرحلة لدى الحركة الأسيرة".
ويضيف: "لا شك أن تجارب كبار الأسرى ومن أمضوا سنوات طويلة كفيلة بإيجاد حلول لكل شيء. والحاجة فعلاً لديهم هي أم الاختراع، لذلك دون الخوض في التفاصيل استطعنا أن نلتقط تردد بعض الإذاعات المحلية ونستمع للأخبار ونعرف ما يدور في الخارج، والاستماع إلى البرامج التي تخصنا وتوصل صوت عائلاتنا لنا".
إقبال مضاعف على بريد الأسرى
يقول معدّ ومقدم برنامج "بريد الأسرى" الذي يُبَثّ عبر أثير إذاعة القران الكريم في نابلس محمود مطر، لـ"العربي الجديد: "إن الإذاعة تبث منذ سنوات برنامجاً يُعنى بشؤون الأسرى، وتتحدث فيه عن أخبارهم، وتستضيف أسرى محررين ومسؤولين، وهناك فقرة لبث رسائل ذوي الأسرى الصوتية التي تصل إلى رقم خاص عبر تطبيق (واتسآب)".
ولكن وفق مطر، فإنه "بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ازدادت أعداد الرسائل بشكل كبير جداً، نظراً لانقطاع الزيارات العائلية وشحّ المعلومات عن أحوال الأسرى، ما دفع إدارة الإذاعة التي يمكن التقاط بثها في أراضي فلسطين التاريخية كافة إلى تخصيص برنامج كامل لبثّ تلك الرسائل التي تردنا بشكل مكثف من عائلات الأسرى، زوجاتهم وأبنائهم وأقاربهم".
وبعد سياسات الاحتلال الجديدة تجاه الأسرى، وفرض عقوبات شديدة عليهم، باتت الإذاعات هي المتنفس الوحيد لهم ولعائلاتهم، رغم أنها طريقة تَخاطب من جهة واحدة، من الأهل لأبنائهم فقط، على أمل أن تصل أصواتهم وتخترق جدران السجون.
أيضاً ما كان يخرج من معلومات رغم كونها شحيحة عن الأوضاع المأساوية داخل سجون الاحتلال من قتل متعمد لعدد منهم، والضرب المبرح، والاعتداءات شبه اليومية، وقائمة طويلة من الانتهاكات، جعلت الأهالي يلجأون إلى كل السبل المتاحة للاطمئنان إلى أبنائهم.
رسائل تحمل مشاعر القلق
يصف مطر رسائل الأهالي لأبنائهم الأسرى بأنها تحمل مشاعر القلق والخوف، وهو ما يمكن تلمسه من كلمات وآهات تسأل الأسير بإلحاح عن حاله وصحته، رغم علمهم باستحالة وصول الرد منه كالسابق، إذ كان كثير من الأسرى يتمكنون من الاتصال الهاتفي أو الحديث بسهولة مع المحامين، وفي الرسائل يطلبون أن يطمئنهم عن نفسه من خلال الأسرى المفرج عنهم من السجن أو القسم ذاته الذي يقبع فيه ابنهم.
ويلفت مطر إلى أن البعض كان يوصل رسائل مكتوبة بخط اليد لنقرأها على الهواء، فكان ردنا أننا نفضل أن يرسلها لنا مسجلة بصوته، حتى يطمئن الأسير من خلالها على أهله، وهذا أفضل من أن يقوم المذيع بتلاوتها بنفسه، ويقول مطر: "فلا شك سيكون للرسالة وقع خاص، إن سمعها بصوت أمه، أو أطفاله الصغار".