تشجّع بريطانيا في حملة جديدة أُطلقت في السابع من فبراير/ شباط الجاري، الضحايا والناجين من اعتداءات جنسية وعنف أسري على التقدّم للحصول على مساعدة ورعاية في مراكز متخصصة تابعة لخدمة الصحة الوطنية. يأتي ذلك في حين سُجّل انخفاض في عدد الأشخاص الذين يصلون إلى مراكز إحالة خاصة بالاعتداءات الجنسية على المستوى الوطني إلى النصف بعد الإغلاق الأوّل في البلاد بسبب أزمة كورونا، مقارنة بالعام الذي سبق. وفي خلال المدّة نفسها، أظهرت الأرقام الرسمية كذلك ارتفاعاً محلياً ووطنياً في العنف الأسري والاعتداء الجنسي.
وتحظى الحملة المموّلة بقيمة 20 مليون جنيه إسترليني (نحو 27 مليون دولار أميركي) بدعم من قبل رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي وكذلك من كاميلا دوقة كورنوال (زوجة الأمير تشارلز). وتهدف الحملة التي تأتي بمناسبة أسبوع التوعية بالإساءة والعنف الجنسيَّين (7-13 فبراير 2022) إلى توعية الناجين بضرورة طلب المساعدة من خلال خدمة الصحة الوطنية، مسلطة الضوء على الدعم المتخصص المقدّم في عشرات من مراكز الإحالة الخاصة بالاعتداءات الجنسية في المملكة المتحدة.
يفيد موقع خدمة الصحة الوطنية بأنّ ضحايا الاعتداء الجنسي والاعتداء الأسري هم بمعظمهم من النساء والفتيات، لكنّ القائمين على الخدمة يشجّعون أيّ شخص في حاجة إلى دعم، بغضّ النظر عن جنسه، على اللجوء إلى أحد مراكز خدمة الصحة الوطنية التي تعمل على مدار الساعة في البلاد. ويوضح أنّ مراكز الإحالة الخاصة بالاعتداءات الجنسية تقدّم دعماً متخصصاً وعملياً وطبياً ومعنوياً سرياً لأيّ شخص تعرّض لاغتصاب أو اعتداء جنسي من أيّ نوع أو إساءة بغضّ النظر عن تاريخ وقوع الحادثة.
وقد وجدت دراسة استقصائية حديثة أنّ شخصَين من بين كل خمسة أشخاص يجهلون أو هم غير متأكدين من المكان الذي يستطيعون فيه الحصول على المساعدة بعد تعرّضهم لاعتداء جنسي، في حين أنّ 72 في المائة من الأشخاص المستطلعة آراؤهم غير مدركين أنّ ثمّة خدمات متخصصة في مجال الاعتداء الجنسي قادرة على تقديم دعم سري، في إطار خدمة الصحة الوطنية. كذلك، صرّح أكثر من نصف الأشخاص المعنيين بأنّهم لم يطلبوا أيّ مساعدة بعد تعرّضهم لاعتداء جنسي. من جهة أخرى، تطلق الحملة فيلماً قصيراً يتناول الأسئلة والمخاوف الشائعة التي يواجهها أشخاص كثر بعد تعرّضهم لاعتداء جنسي أو إساءة، بما في ذلك عدم معرفتهم إلى من يلجأون أو إلى أين يتّجهون.
تقول المؤسسة والمديرة التنفيذية لـ"منظمة نساء ومجتمع الشرق الأوسط" في لندن، هلالية طاهري لـ"العربي الجديد" إنّ "المراكز التابعة لخدمة الصحة الوطنية التي تقدّم الدعم لضحايا العنف الأسري أو الاعتداءات الجنسية تختلف عن منظمتنا. وبحسب رأيي، فإنّ النساء المهاجرات أو المتحدرات من أصول عربية وآسيوية بمعظمهنّ لا يثقنَ بها، كونها لا تضمّ متخصصين أو أشخاصاً قادرين على فهم كيفية تفكير هؤلاء النساء والمخاوف التي تمنعهنّ من طلب المساعدة. ونحن لدينا أشخاص يعرفون جيداً طبيعة البيئات التي تأتي منها هؤلاء النساء. لذلك، ينبغي على مراكز الإحالة الخاصة بالاعتداءات الجنسية التابعة لخدمة الصحة الوطنية، أن تبني الجسور معنا ومع المنظمات الشبيهة للوصول إلى هؤلاء النساء".
تضيف طاهري: "ندرك جيداً أنّ نساء كثيرات وافدات من الشرق الأوسط وآسيا يعانينَ لكنهنّ يمتنعنَ عن طلب المساعدة. ويأتي ذلك أحياناً بسبب جهلهنّ القانون، وفي أحيان أخرى بسبب مخاوف لا أساس لها. على سبيل المثال، الخوف من انتزاع الخدمات الاجتماعية أطفالهنّ منهنّ وإرسالهم للعيش في عائلات بريطانية"، مؤكدة أنّ "هذا غير صحيح". وتتابع طاهري أنّ "نساء كثيرات يقصدنَنا حاملات هذه المخاوف، فنشرح لهنّ أنّنا سوف ندعمهنّ وأنّهنّ لن يُبعَدنَ عن أطفالهنّ"، مشدّدة "نحن نعمل على كسب ثقة النساء ومنحهنّ شعوراً بالأمان". وتشرح طاهري أنّ "الإجراءات ذات الصلة تتطلّب وقتاً، ومن غير الممكن أن تتمّ بسرعة أو من خلال دعاية وإعلان. فنحن نتعامل مع كلّ حالة على حدة". وتكمل طاهري: "لا أظنّ أنّه من السهل أن تتصل أيّ امرأة مهما كانت معاناتها، بمركز تابع لخدمة الصحة الوطنية إن لم تتمتع بالثقة الكافية للقيام بذلك"، لافتة إلى أنّ "كثيرات يخشين كذلك التعامل مع الشرطة، ومهمّتنا تقتضي مساعدتهنّ على تجاوز كلّ هواجسهنّ بطريقة تدريجية".
في سياق متصل، رأت مديرة خدمة الصحة الوطنية لخدمات الاعتداء الجنسي كيت ديفيز أنّ "الاعتداء الجنسي أو العنف الأسري قد يطاولان أيّ شخص من أيّ عمر كان أو عرق أو جنس أو وضع اجتماعي. وقد يكون الأمر لمرّة واحدة أو يحدث بشكل متكرّر. لكنّ آلاف الأشخاص، للأسف، لا يعلمون إلى أين يتوجّهون للحصول على المساعدة التي يحتاجونها، لذلك نقول لهم: يمكنكم اللجوء إلينا".
من جهتها، أكدت رئيسة خدمة الصحية الوطنية لخدمات العنف والاعتداء الجنسي لورا كورير أنّها تعرف من تجربتها الخاصة، حين تعرّضت لاعتداء جنسي في عام 2015، "مدى صعوبة طلب المساعدة في هذه المواقف". أضافت أنّها لن تنسى أبداً تعاطف موظفي مراكز الإحالة الخاصة بالاعتداءات الجنسية والاهتمام الذي لاقته فيها عندما كانت تمرّ بأسوأ لحظات حياتها. وتابعت كورير: "أحثّ كلّ شخص يحتاج إلى دعم، بغضّ النظر عن زمان وقوع الحادثة، بالتقدّم. فأنتَ لستَ وحدك، والفرق الرائعة في مراكز الإحالة موجودة للمساعدة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع".
أمّا تيريزا ماي فأسفت لـ"زيادة حوادث العنف الأسري والاعتداء الجنسي في خلال فترة الإغلاق (الخاصة بأزمة كورونا)، وثمّة حاجة ماسة إلى تمويل إضافي للخدمات المقدّمة لضحايا الإساءة والعنف الجنسيَّين". ولفت إلى أنّ الدعم المخصص لضحايا العنف الأسري الذي توفّره خدمة الصحة الوطنية وأنظمة الرعاية الشاملة، مرحّب به، خصوصاً أنّ الرعاية الصحية المحلية تؤدّي دوراً مهماً في تحديد الإساءة ودعم الضحايا". وفي خلال أسبوع التوعية، تزور دوقة كورنوال التي لطالما دافعت عن عمل المنظمات الداعمة للناجيات من الاعتداء الجنسي والعنف المنزلي، مراكز معنيّة حيث تلتقي بناجين للتعرّف أكثر إلى تجاربهم.
تجدر الإشارة إلى أنّ الحملة تحظى بدعم عدد من المنظمات والجمعيات الخيرية التي تعمل عن كثب مع مراكز الإحالة الخاصة بالاعتداءات الجنسية، من بينها جمعية "الناجين الذكور". وقد أكّدت رئيسة الجمعية التنفيذية تانيا وودجيت أنّه "من المهمّ جداً بالنسبة إلى الرجال، واحتمال طلبهم المساعدة والدعم أقلّ من النساء، أن يدركوا أنّ مراكز الإحالة الخاصة بالاعتداءات الجنسية متاحة للجميع، بغضّ النظر عن الجنس". أضافت: "نحن ندعم أيّ حملة تساعد على ضمان معاملة الناجين الذكور معاملة مناسبة وحسّاسة وعادلة في داخل المراكز".