يعيش كثير من اللبنانيين في ظل إمكانات محدودة لا تستطيع مقاومة الغلاء الفاحش، ما يجعل أي مبادرة مهمة حتى لو كانت توفير الخضروات، على غرار ما حصل في مدينة صيدا
نشطت المبادرات الفردية مع بداية جائحة كورونا حين تعطلت عجلة الحياة، وخسارة كثير من اللبنانيين أعمالهم من جراء الوباء وتأزم الوضع الاقتصادي، وأخذت مبادرة "بصمة خير" على عاتقها تأمين احتياجات الناس من الخضروات وغيرها.
أطلق المبادرة اللاجئى الفلسطيني المتحدر من مدينة يافا، هلال حليمة "أبو فرج"، والذي يقيم في مدينة صيدا اللبنانية، ويقول لـ"العربي الجديد": "التحقت في بداية حياتي بالعمل الفدائي، وعمِلت كهربائياً، ثم اعتقلت بعد الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982 في سجون الكيان بفلسطين المحتلة لمدة سنة وثمانية أشهر. بعدما انتشر وباء كورونا أطلقت مع أولادي وبعض الأصدقاء مبادرة لمساعدة الناس، وكان أول ما نفذناه زيارة الحسبة في مدينة صيدا، حيث طالبنا التجار بمساعدتنا، وقد ساعرنا بعضهم، ثم تطوّر عملنا، وصرنا نحمّل سيارة خضروات يتبرع بها تجار، أو نشتري الخضار بأموال يوفرها مانحون محليون".
يتابع أبو فرج: "كنا نشتري أكياس النايلون بثمن رخيص حين بدأنا المبادرة، واليوم بات سعر شوال النايلون 44 دولاراً، وندفع إيجار المحل ومصاريف النقل، أما الأشخاص الذين يجهزون الخضار تمهيداً للتوزيع فهم متطوعون. في بداية الأزمة كنا نوزع الخضار على نحو 10 آلاف عائلة شهرياً في مناطق صيدا القديمة والمية ومية وسيروب ونزلة صيدون ومشاريع الهبة والفوار، وأيضاً في مخيمي صبرا وشاتيلا، واليوم نوزع على نحو 3500 عائلة شهرياً لأن الأسعار ارتفعت بشكل كبير، في حين تتقلص المساعدات التي تصلنا من الناس، ونوزع مساعدات بالإمكانات التي تتوفر لدينا، ويحصل ذلك 3 مرات أسبوعياً بعدما كنا نوزع يومياً، وبتنا نتحرك لدى اتصال تاجر بنا للتبرع بخضار، أما تكاليف النقل فنغطيها بنفسنا".
يضيف: "في السابق كنت أشتري الخضار بنصف الثمن من الحسبة، وأوزعها على الناس في صيدا القديمة، وكنا نخصص (توك توك) في كل حي للتوزيع، وأنا من سكان صيدا البلد، وأعرف كل الناس فيها، والتوزيع يستند إلى إحصاءات أطّلع عليها شخصياً".
ويوضح: "حصلت حين مُنع التجوّل مع بداية جائحة كورونا على تصريح للتجوّل من رجل دين، واستخدمته لتوزيع الخضار على الناس، وحالياً تعرف المبادرة مراحل صعود وهبوط بحسب التبرعات والإمكانات في حين تظل احتياجات الناس كبيرة، ويأتي بعض الأشخاص إلى مكب النفايات لأخذ بقايا خضروات نرميها بعد فسادها. في البداية كان الناس يأتون إلينا لأخذ الخضار، لكنني شعرت لاحقاً أن الأمر يحرج كثيرين، فصرنا نذهب إليهم، ونوزع عليهم الخضار".
ويقول عصام عباس، المتحدر من حطين بقضاء طبرية الفلسطيني، وهو أحد المستفيدين من مبادرة توزيع الخضار، لـ"العربي الجديد": "تصلني خضروات باستمرار من مبادرة (بصمة خير) التي تساعد الكثير من الناس، فمع تغيّر الظروف بتنا أكثر حاجة للخضار، لكن إمكانات أصحاب المبادرة ضئيلة، وتحديداً لتغطية تكاليف النقل، علماً أن التجار يتصلون بأصحاب المبادرة الذين يجب أن يذهبوا إلى الحسبة لنقل الخضار باستخدام مواصلات تحتاج إلى تكاليف".
يضيف: "تخفف مساعدات المبادرة أعباءً كبيرة عن الناس الذين يعيش الكثير منهم في ظل ضائقة مادية كبيرة، وقد تغيّرت الحياة، وانقلبت حياة البعض رأساً على عقب، ومن لديه أسرة اليوم لا يستطيع أن يوفر احتياجاتها".
ويقول علي محمد عبد الوهاب، المتحدر من بلدة سحماته بفلسطين، لـ"العربي الجديد": "أنا بلا عمل منذ فترة، وأحصل من مبادرة بصمة خير على حصة لي، إضافة إلى حصتين لشقيقتي الأرملتين، وحصة لجارتي الأرملة أيضاً، وتسمح الخضروات التي توزعها المبادرة من باذنجان وسبانخ وملفوف لربة المنزل أن تطبخ لنحو أسبوع. احتياجات الناس كبيرة، ونرى كل يوم عند غروب الشمس أشخاصاً يبحثون عن بقايا الطعام في أكياس القمامة، وتحديداً الخبز".
ويقول جمال محمد، المتحدر من حيفا ويقيم في منطقة سيروب شرقي مدينة صيدا، وهو أحد المستفيدين من المبادرة، لـ"العربي الجديد": "أحصل منذ وقت طويل على الخضار من مبادرة (بصمة خير)، وأحياناً أوزع بعضها على الجيران. نحن أربعة أشخاص في البيت، وأعمل كسائق سيارة أجرة، لكن الوضع صعب جداً، وأستطيع بالكاد توفير المصاريف، لذا تعتبر هذه المبادرة مفيدة لي كما لكثيرين يواجهون مثلي أوضاعاً اقتصادية صعبة، فأسعار الخضار مرتفعة بشكل كبير، ولا قدرة لنا على شرائها".