بنوك طعام الألمان... الأرباح قبل الأرواح تغيّر خطوط الفقر

24 نوفمبر 2022
تتقلص في ألمانيا قدرة المتطوعين على مساعدة المحتاجين (كريستيان أندير/ Getty)
+ الخط -

في واقع اليوم، بات مزيد من الألمان يحتاجون إلى الإفادة من خدمات رابطة بنوك الطعام المجانية (تافل)، التي ارتفع عدد المستفيدين منها من 1.1 مليون إلى أكثر من مليونين في العامين الأخيرين، لكن تبرعات المخازن الكبرى لهذه البنوك انخفضت بشكل كبير، ما يزيد التفاوت الاجتماعي الصارخ في البلاد.
وأوضح رئيس رابطة بنوك الطعام المجانية يوخن برول، في تصريحات صحافية، أنه "مع ارتفاع عدد المتضررين من الفقر، باتت البنوك أقل قدرة على التعامل مع تزايد الطلب على المواد الممنوحة. وهي وصلت فعلياً إلى أقصى طاقاتها نتيجة التضخم والزيادة الهائلة في أسعار الغذاء والوباء، وعواقب الحرب على أوكرانيا منذ بداية العام الحالي". 

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

واعتبر أن "الأزمات تعمل لتغيير خطوط الفقر، والكثير من الأشخاص الذين استطاعوا تغطية نفقاتهم قبل بضعة أشهر، باتوا يعتمدون على مساعدات، في حين أن ما تقدمه بنوك الطعام المجانية بات يجب أن يتشارك به مزيد ومزيد من الناس، وبينهم من يطلبون مساعدات للمرة الأولى، كما أن هذه البنوك تواجه نقصاً في عدد المتطوعين".
وأضاف: "يبدو واضحاً أن المشكلة تكمن في زيادة الطلب وتراجع التبرعات بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة. وبعدما باتت محلات السوبرماركت تشتري كميات أقل من السلع والبضائع، فهي تترك كميات أقل أيضاً للتبرع بها. كما باتت خطط محلات السوبرماركت مختلفة من خلال الاستمرار أحياناً في بيع مواد غذائية أوشكت صلاحيتها على الانتهاء، ولا ننسى أن تكاليف الطاقة المرتفعة جداً تتسبب في مشاكل هائلة لبنوك الطعام، لا سيما أن مواد غذائية كثيرة تحتاج الى تبريد قبل تسليمها إلى محتاجين، علماً أن محلات السوبرماركت غير ملزمة بالتبرع، بل تنفذ ذلك طوعياً".
وفيما لن يستطيع ملايين تحمل فواتير الكهرباء والتدفئة التي ارتفعت بنسبة ثلاثة أضعاف، سيواجه كُثر التشرد في ظل عدم قدرتهم على تحمل تكاليف الإيجار وفواتير الخدمات العامة.

زادت الأزمات عدد المحتاجين في ألمانيا (كريستيان أندير/ Getty)
زادت الأزمات عدد المحتاجين في ألمانيا (كريستيان أندير/ Getty)

شجارات على المساعدات
وأشارت تقارير إعلامية وصحافية إلى أن أشخاصاً كُثراً باتوا يصطفون في طوابير لساعات طويلة، من أجل الحصول على ما يتيّسر من خضار وطعام ومشتقات الحليب من بنوك الطعام. 
وما زاد الطين بلّة ارتفاع عدد المستفيدين منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/ شباط الماضي، ووصول مئات آلاف اللاجئين الأوكرانيين إلى ألمانيا، وغالبيتهم من دون نقل أموال معهم. ووصل الأمر أحياناً إلى حصول شجارات بين مرتادي بنوك الطعام من المواطنين والمقيمين وبين الوافدين الجدد من الحرب في أوكرانيا. وحصل ذلك وسط مطالبة متطوعين بضرورة زيادة تبرعات الأطعمة والفاكهة والخضار والمواد المعلبة.
وكان استطلاع أجرته رابطة خدمات بنوك الطعام المجانية خلال الفصل الثالث من العام الحالي، وشاركت فيه 603 جمعيات، أظهر أن عملاء نحو 60 في المائة من بنوك الطعام زادوا بنسبة 50 في المائة منذ بداية العام الحالي. كما كشف الاستطلاع أن حوالي ربع المتطوعين باتوا يدعمون عدداً أكبر من الأشخاص بنسبة تتراوح بين 50 و100 في المائة عن السابق، وأن عدد طالبي المساعدات تضاعف في حوالي 16 في المائة من المراكز.

لا يستطيع ألمان كُثر تغطية نفقاتهم (ماريو هومس/ Getty)
لا يستطيع ألمان كُثر تغطية نفقاتهم (ماريو هومس/ Getty)

أذى "الهدايا الحكومية"
وعن الواقع الذي بلغه الاختلال في توازن العدالة الاجتماعية في ألمانيا، رأى مراقبون أن الزيادة الكبيرة في معدلات التضخم فاقمت الوضع إلى حدّ كبير، وأوقعت أسراً لا حصر لها من الطبقة العاملة في براثن الفقر والضيق. وهم أشاروا إلى أن السبب الأعمق لهذه الظاهرة هو سياسة "الأرباح قبل الأرواح"، معتبرين أن "التضخم هو نتيجة الهدايا الحكومية التي تقدر بمليارات اليورو للبنوك والشركات، والصراع القائم بين الحلف الأطلسي (ناتو) وروسيا، علماً أنه يجرى تعويض المبالغ الضخمة التي أنفقت على إعادة التسلح والحرب من خلال تخفيضات في مجالات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية". 
وفي ظل انتقاد رابطة بنوك الطعام المجانية عدم اضطلاع السلطات بدور مسؤول، ونقل مهامها الأساسية ودورها في تقديم الخدمات إليها، من دون تحديد قدرة بنوك الطعام على قبول عملاء جدد يزيد عددهم يوماً بعد يوم، كشفت دراسة أجراها المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية أخيراً أن ثلاثة أرباع المستفيدين من خدمات بنوك الطعام المجانية يتلقون معونات اجتماعية، وأن معدل الفقر الرسمي ارتفع إلى 16.6 في المائة عام 2021، ما يعادل 13.8 مليون فقير. كما نشرت الدراسة أرقاماً تفيد بأن 32 في المائة من المستفيدين من أصحاب الاحتياجات الخاصة يحصلون على معاشات بسبب عدم قدرتهم على العمل أو بسبب معاناتهم من مشاكل صحية وإعاقات صعبة، وأيضاً بأن 3 في المائة من المستفيدين يعملون بدوام جزئي، و76 في المائة من العاطلين عن العمل، في حين يملك 7 في المائة وظائف غير منتظمة وهامشية، وذات أجور منخفضة، ويستفيد 11 في المائة منهم وهم يعملون بدوام كامل. وكان التقرير السنوي لرابطة بنوك الطعام المجانية لعام 2021 حدد الفئات العمرية التي تستفيد من المساعدات بـ28 في المائة من الأطفال و48 في المائة من البالغين في سن العمل، و24 في المائة من المتقاعدين.

بنوك الطعام لمكافحة الهدر أولاً
يذكر أن رابطة بنوك الطعام المجانية منظمة غير ربحية، تأسست في الأساس لمواجهة ظاهرة هدر كميات الطعام وتقديم معونات ألبسة وغيرها لدعم الأشخاص المتضررين من الفقر عبر توزيعها مجاناً لهم. 
ومن أجل تلقي الدعم، يجب أولاً التسجيل وإثبات الحاجة وحالة الفقر، علماً أن الرابطة تتمثل في حوالى 962 جمعية تمتد نشاطاتها على مساحة البلاد، ويعمل فيها 60 ألف مساعد، نسبة 90 في المائة منهم من المتطوعين الذي ينفذون مهام جمع الطعام وتوزيعه على فروع المناطق، والتي تشمل فقط المحتاجين الذين يجرى تحديد هوياتهم للإفادة من هذه البنوك، وهم عادة من أصحاب الدخل المنخفض غير القادرين على تغطية نفقاتهم. 

المساهمون