بولندا تجمّد حق طلب اللجوء بعد تشدد ألمانيا على حدودها بسبب روسيا وبيلاروسيا

15 أكتوبر 2024
رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك يدلي ببيان صحافي في وارسو، 28 مارس 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أعلنت بولندا عن تجميد مؤقت لحق اللجوء، متهمة روسيا وبيلاروسيا باستخدام اللاجئين كجزء من حرب هجينة ضدها والاتحاد الأوروبي، وذلك بعد تشديد ألمانيا لحدودها مع بولندا.
- أثارت هذه الخطوة انتقادات من منظمات حقوقية وأطراف سياسية في الائتلاف الحاكم، معتبرين أن تعليق حق اللجوء ينتهك القوانين الدولية، بينما تؤكد الحكومة البولندية أن القرار يهدف لحماية الأمن القومي.
- تتزامن هذه التطورات مع تصاعد التوترات على الحدود البولندية، وسط مخاوف من سباق أوروبي نحو تشديد سياسات الهجرة.

تتجه بولندا نحو تجميد اتفاقية حق اللجوء، بعد أن تشددت الحكومة الألمانية قبل نحو شهر على حدودها لوقف تسرب اللاجئين عبر بيلاروسيا وروسيا. وأعلن، اليوم الثلاثاء، رئيس الحكومة البولندية، دونالد توسك، عن ملامح تجميد مؤقت لحق اللجوء، في تبريرات تستند إلى فكرة أنّ كلاً من روسيا وبيلاروسيا تستخدمان طالبي اللجوء في سياق حرب هجينة ضدها وضد الاتحاد الأوروبي.

قول توسك إنّ بلده يريد الحدّ من الهجرة غير الشرعية إلى الحد الأدنى يذكّر بسياسة الحكومة القومية المحافظة السابقة، من حزب القانون والعدالة، المتشددة حيال اللجوء والهجرة. ومنذ 2020، يُتهم الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو من جهات أوروبية بـ"إغراق" حدود الاتحاد الأوروبي باللاجئين في ردّ على عقوباته المستمرة، بعد اتهامات بتزوير الانتخابات الرئاسية وقمع المعارضة.

الشرطة البولندية (ناصر السهلي)

ونقلت وكالة الأنباء الوطنية البولندية، في نهاية الأسبوع الفائت، عن توسك قوله: "سنقضي على هذه الممارسة التي تتحايل على المصالح البولندية وتضر بأمن مواطنينا ودولتنا". وتوضح تصريحات "الليبرالي الأوروبي"، كما كان يوصف توسك، رغبته في دعم الاتحاد الأوروبي لعناصر استراتيجيته الجديدة في مجال الهجرة "لأننا نعرف جيداً كيف يستخدم لوكاشينكو و(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين ومهرّبو البشر حق اللجوء بما يتعارض مع جوهر هذا الحق". تصريحات ترغب أيضاً بتعاون إقليمي أوروبي لأجل تعليق مؤقت لحق اللجوء، وإن تعارض ذلك مع معاهدات واتفاقيات دولية لا تزال سارية.

ومع أنّ توسك اعتبر أنّ تطبيق السياسة الجديدة لا يتعارض ولا يتجاوز التزامات بولندا وفق القوانين الدولية، إلا أنّ تصريحاته سرعان ما لاقت انتقادات محلية ومن قبل جمناعات حقوقية دولية، مثل لجنة هلسنكي لحقوق الإنسان. كما اعتبرت منظمة العفو الدولية، أنّ الخطوة البولندية تعد انتهاكاً للقوانين والتزاماتها الدولية. وشدد وزير شؤون أوروبا في وارسو، آدم زلابكا، على أن ما تقدم عليه وارسو "مرتبط بتهديد الأمن القومي".

وذكّر الفرع البولندي لمنظمة العفو الدولية توسك بأنّ "حق اللجوء هو حق من حقوق الإنسان. إنّ التعليق غير المبرر لهذا الحق، ولو بشكل مؤقت، أمر غير مقبول ويخالف، من بين أمور أخرى، اتفاقية جنيف والإعلان العالمي لحقوق الإنسان". وشددت المنظمة على أنّ أي شخص يفرّ من الاضطهاد أو معرّض لخطر ضرر جسيم في بلده له الحق في التقدم بطلب للحصول على الحماية الدولية، أي اللجوء السياسي.

على الجانب الآخر، عبّرت أطراف سياسية في الائتلاف الحاكم عن رفضها لتصريحات توسك. وشدد رئيس البرلمان، وزعيم حزب يمين الوسط بولندا 2050، سيمون هولونيا، على أنّ تصريحات توسك تعبّر فقط عن حزبه "منصة المواطن". وأكد هولونيا أنّ حق اللجوء "مقدس في القانون الدولي، وينبع من الاتفاقيات التي وقعت عليها بولندا".

حرب هجينة... صلاحيات إطلاق النار على حدود بولندا

يبدو أنّ لغة الشكوى من خوض موسكو ومينسك "حرباً هجينة ضد أوروبا" انتقلت من الحزب القومي المحافظ الحاكم سابقاً، "القانون والعدالة"، إلى دونالد توسك، الذي يفرض منطقة حدودية مغلقة، بحجة مواجهة حوادث عنف لرفض دخول اللاجئين، وتقييد عمل منظمات المجتمع المدني البولندية في المنطقة. ويأتي الموقف الجديد متسلحاً بمقتل جندي بولندي (21 عاماً) في يوليو/ تموز طعناً على يد طالب لجوء. وتبنى البرلمان البولندي، إثر ذلك، إلغاء تجريم استخدام الجنود وقوات الأمن للأسلحة النارية دفاعاً عن أنفسهم في ظروف معينة. وتشير الاستطلاعات إلى أنّ 86% من البولنديين باتوا يؤيدون استخدام قوات الأمن لأسلحتهم النارية في حالات الدفاع عن النفس.

وما يسري على الحدود البولندية ينسحب أيضاً على دولتي البلطيق ليتوانيا ولاتفيا لناحية تدفق اللاجئين. وتقدر منظمات غير حكومية أنّ أكثر من 130 مهاجراً/طالب لجوء لقوا حتفهم على جانبي الحدود البيلاروسية مع الدول الثلاث منذ نشوء أزمة اللجوء في شتاء 2020. ووفقاً لأرقام سلطات الهجرة البولندية، فإنّ يونيو/ حزيران شهد أكثر من ألف و 700 طلب، أعلى رقم شهري منذ سبع سنوات، وأنّ الغالبية العظمى من طالبي اللجوء كانوا من أوكرانيا أو بيلاروسيا أو روسيا، وكان هناك أيضاً 347 صومالياً و328 سوريّاً، حسبما تظهر أرقام سلطات الهجرة البولندية.

الشرطة البولندية (ناصر السهلي)

وكانت برلين استشعرت أنّ "مسار بيلاروسيا" بات يشكّل بوابة لجوء جديدة نحوها، حيث يختار المزيد اعتبار بولندا مجرد مسار عبور، ما دفعها منتصف الشهر الماضي إلى اتخاذ إجراءات فرض رقابة حدودية مع بولندا لوقف التدفق. وخلال الفترة التالية للغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/ شباط 2022، لم تشتك بولندا كثيراً من استقبالها نحو مليون أوكراني، بموجب نظام حماية خاص تم إنشاؤه لهذا الغرض. ولكن يبدو أنّ اتهام روسيا وبيلاروسيا بتسيير "رحلات" مسهلة من مناطق خارج أوروبا لعبور حدود الاتحاد الأوروبي يساهم اليوم في إظهار التشدد الجديد في منطقة دول البلطيق (لاتفيا وليتوانيا على وجه التحديد) وبولندا، بعد ألمانيا.

ولا تغيب الاعتبارات السياسية الداخلية في برلين ووارسو عن خطوتيهما في التشدد الجديد. ففي الأولى يحاول المستشار الألماني "الاجتماعي الديمقراطي"، أولاف شولتز، وقف تدهور شعبية حزبه بين الناخبين قبل انتخابات تشريعية في سبتمبر/ أيلول العام المقبل، وسط تقدم أقصى اليمين القومي المتشدد، بينما في الثانية يحاول دونالد توسك قطع الطريق، بعد فوزه في الانتخابات البرلمانية العام الماضي، على الرئيس البولندي الحالي أندريه دودا، حليف "القانون والعدالة"، بعد انتخابات رئاسية في مايو/ أيار المقبل.

ومثلما فاز توسك بمواقف تميل إلى يمين اليمين القومي المحافظ في قضية اللجوء والهجرة يحاول حزبه "منصة المواطن" طرح مواقف يمينية عندما يتعلق الأمر بتلك السياسات ولأجل إحكام القبضة على القصر الرئاسي، بالقول إنّ بولندا "يجب أن تستعيد سيطرتها بنسبة 100% على من يأتي إلى البلد، وبمجرد تبني هذه الاستراتيجية سنخفض الهجرة غير الشرعية إلى الحد الأدنى".

على المستوى الأوروبي، يُخشى من استخدام نفس ذريعة توسك لتعليق حق اللجوء وصدّ المهاجرين وطالبي اللجوء في بلدان أخرى. والأمر ينطوي على مخاطرة تسابق أوروبي على "الأكثر صرامة" في سياق وقف اللجوء نحو القارة. ويطالب عدد من دول الاتحاد الأوروبي، وبينها الدنمارك والنمسا و15 دولة أخرى، بتبني بروكسل المزيد من سياسات هجرة متشددة، وهو ما سيحاولون طرحه في اجتماع القمة الأوروبي، الخميس المقبل.

المساهمون