تحديد النسل في مصر... واقع حال وليس قناعة

02 يونيو 2024
سجلت مصر معدلات المواليد الأكثر انخفاضاً في تاريخها (علي مصطفى/ Getty) ​
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تامر من مدينة نصر يقرر الاكتفاء بإنجاب طفلتين بسبب الضغوط المادية والأزمة الاقتصادية في مصر، متجاهلاً الضغوط الاجتماعية التي تفضل الذكور. خالد، الميسور الحال، يختار عدم الزواج خوفًا من ارتفاع نسب الطلاق، مما يعكس تحولًا في النظرة الاجتماعية نحو الزواج والإنجاب.
- انخفاض معدل المواليد في مصر بنسبة 30.5% بين عامي 2013 و2023 يعكس تغيرات اجتماعية واقتصادية عميقة، بما في ذلك ارتفاع تكاليف الزواج والمعيشة وزيادة أعمار النساء عند الزواج.
- الأزمة الاقتصادية والعوامل الاجتماعية تدفع الشباب لتأجيل أو تجنب الزواج والإنجاب، مما يسهم في تغيير الأنماط السكانية ويثير قلق الخبراء حول تأثيرها على التركيبة السكانية والاقتصادية لمصر.

اكتفى المصري تامر بإنجاب طفلتين اثنتين، بالاتفاق مع زوجته. وهو رفض إنجاب مزيد من الأولاد، لعلّه "يُخاوي" ابنتيه بمولود ذكر يكون عوناً لهما حين تكبران، كما يقول له أهل بلدته في الصعيد، وأكد قناعته بإنجاب ابنتين فقط. ترصد بيانات مركز معلومات وزارة الصحة والسكان المصرية لمواليد ووفيات معدلات المواليد الأكثر انخفاضاً في تاريخ مصر العام الماضي، وصولاً إلى 19.4 لكل ألف مواطن مقابل 21.1 لكل ألف مواطن عام 2022. ويؤكد تامر، وهو مندوب تسويق في شركة عقارية كبيرة بالقاهرة، أنه يشتهي أن يكون له ولد يكفيه همّ الحرج أمام أهله في الصعيد الذين يفضلون الولد على البنت. ويعترف، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بأن الدوافع الحقيقية لاختياره تحديده النسل مادية خالصة مع تفاقم الأزمة الاقتصادية بمصر، وركود سوق العقارات ما جعل البيع أقل بكثير من المعدلات السابقة، ما اضطره إلى عدم المغامرة بإنجاب مزيد من الأطفال، في وقت يُعاني فيه مهمة الإنفاق على طفلتين.

في نفس المبنى الذي يقطن فيه تامر بضاحية مدينة نصر شرقي العاصمة القاهرة، يسكن خالد، وهو شاب قريب من عمر تامر في نهاية العقد الرابع، ويعتبر ميسور الحال وغير متزوج، ولا ينوي الارتباط لدوافع اجتماعية، يلخصها، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بـ"الخوف من احتمال حدوث طلاق باتت نسبته مرتفعة جداً في مصر، وزاد بشكل كبير أخيراً". ويشير إلى أنه يعرف شخصياً ست حالات طلاق على الأقل في المبنى الذي يسكن فيه.
وتوضح دراسة إحصائية أجراها مركز "تكامل مصر" لدراسات الإعلام والرأي العام نهاية العام الماضي، بهدف محاولة رصد وفهم اتجاهات الإنجاب وعواملها المختلفة، أن انخفاض عدد المواليد في مصر بدأ في منتصف عام 2013 حين كان 31.2 طفلاً لكل ألف مواطن، واستمر بوتيرة شبه متقاربة في الأعوام التالية، قبل أن يصبح 19.4 طفلاً لكل ألف مواطن مصري في نهاية 2023. وهكذا بلغت نحو 30.5 في المائة نسبة الانخفاض في معدل المواليد بين عامي 2013 و2023.
ويؤكد رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام مصطفى خضري، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه "لا تتوفر أدلة إحصائية لوجود فوارق في نسب التراجع بين المدن والريف، لكن النقص في نسب المواليد كان أقل في المحافظات ذات الوجه القبلي، تحديداً أسيوط وسوهاج وقنا والأقصر وأسوان مقارنة بباقي محافظات مصر". 

لا تسمح إمكانات أسر مصرية بإنجاب أطفال كثيرين (فريد قطب/ الأناضول)
لا تسمح إمكانات أسر مصرية بإنجاب أطفال كثيرين (فريد قطب/ الأناضول)

وتظهر دراسة أجريت لأسباب انخفاض المواليد خلال هذه الفترة ارتباط الظاهرة بعوامل اجتماعية واقتصادية تؤثر في شكل مباشر أو غير مباشر على المعدلات أهمها:
1- ارتباط انخفاض معدلات الزواج بمعدل انخفاض المواليد. 
2- ارتباط معدل أعمار النساء عند الزواج الأول بمعدل المواليد خلال هذه الفترة.
3- ارتباط معدلات إصابة النساء بأمراض الكبد والسرطان بمعدل المواليد.
4- ارتباط معدلات البطالة بمعدل المواليد.
5- ارتباط معدلات التضخم بمعدل المواليد.
6- ارتباط نسب العاملين بالقطاع الحكومي بمعدل المواليد.
7- ارتباط قيمة صرف الدولار في السوق السوداء بمعدل المواليد.
8- ارتباط حجم حسابات النساء المصريات على مواقع التواصل الاجتماعي بمعدل المواليد.
9- ارتباط عدد السجناء والمعتقلين سياسياً بمعدل المواليد خلال هذه الفترة.
10- ارتباط معدلات الهجرة الرسمية وغير الشرعية بمعدل المواليد.

ومصر هي البلد الأكثر اكتظاظاً بالسكان عربياً، وظلت من بين أكثر الدول نمواً سكانياً خلال العقود الأخيرة، قبل أن تسجل العام الماضي أدنى معدل لنمو السكان خلال نصف قرن. وترى أستاذة علم الاجتماع، هالة منصور، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "خفض معدلات المواليد في أي شريحة اجتماعية هو نتيجة للوعي، لكن يجب مراعاة عوامل لتحديد إذا كان الانخفاض إيجابياً أم سلبياً، وأهمها حال الشريحة الاجتماعية التي شهدت الانخفاض". تضيف أن "الطبقة المتوسطة هي الأكثر تأثراً بانخفاض معدلات المواليد، سواء بسبب العزوف عن الإنجاب أو الزواج، نتيجة للوعي المجتمعي، أو الرغبة في تحقيق نمط حياة أفضل، أو بسبب كون هذه الفئة الأكثر تضرراً من الأزمة الاقتصادية".

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

بدوره، يُرجع أستاذ الاقتصاد رشاد عبده انخفاض معدلات المواليد إلى اضطرار الشباب لتأجيل سن الزواج بسبب الأزمة الاقتصادية وارتفاع تكاليفه. ويعتبر في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "الأزمة الاجتماعية تحرم الشباب من حقهم الطبيعي في الزواج والإنجاب، ما قد يُضطر بعضهم إلى اللجوء إلى خيارات بديلة مثل الزواج العرفي".

المساهمون