أرجأت عربية فضلي (45 عاماً) عمليتها الجراحية في الكبد إلى أجل غير مسمى، نتيجة نقص وحدات الدم في المراكز الجهوية، بالإضافة إلى خوفها من احتمال العدوى بفيروس كورونا، لا سيما أنّها تعيش في محافظة القصرين ما يعني أن عليها الانتقال إلى العاصمة لإجراء العملية الجراحية. تقول لـ "العربي الجديد" إنّ حالتها ليست حرجة ويمكنها الانتظار. لذلك، اختارت إرجاء العملية في ظل ما تعيشه غالبية المستشفيات في الوقت الحالي، على الرغم من تأكيد الجهات المسؤولة اتخاذ كافة إجراءات السلامة في المستشفيات، لا سيما في ما يخص الحالات الطارئة.
عربية من بين عشرات الأشخاص الذين يحتاجون إلى عمليات جراحية، وقد اختاروا تأجيلها لأسباب عدة، منها الخوف من الإصابة بكورونا، ونقص وحدات الدم، بالإضافة إلى أسباب أخرى، كما يؤكد مسؤولون في العديد من الإدارات الصحية. ويشير هؤلاء إلى أن السبب الأساسي لإرجاء العمليات الجراحية غير الطارئة هو النقص الكبير في المخزون الاستراتيجي لوحدات الدم بسبب تراجع نسبة الاقبال على التبرع منذ شهر يناير/ كانون الثاني عام 2020.
يذكر أنّ المركز الوطني لنقل الدم ينظم سنوياً وفي فترات مختلفة حملات توعية لتشجيع الناس على التبرّع بالدم في العديد من الجهات، وبالتالي تأمين احتياجات المرضى من الدم في العديد من المستشفيات، مع الإشارة إلى أن تونس تحتاج إلى نحو 220 ألف وحدة من الدم سنوياً بحسب المركز. لكن بسبب الحجر الصحي، لم يتمكن المركز من تنظيم الحملات المعتادة منذ بداية العام الماضي، ما أدى إلى نقص في هذه الوحدات للحالات الطارئة، وخصوصاً في أقسام الولادات والطوارئ.
وتشمل عمليات التبرّع التي تنظمها مراكز التبرع بالدم في العديد من الجهات الأشخاص الذين يتمتعون بصحة جيّدة دون سواهم. وأكد المركز الوطني لنقل الدم منذ إبريل/ نيسان الماضي تراجع عدد المتبرّعين بالدم بشكل غير مسبوق نتيجة الخوف من الإصابة بكورونا وفرض حجر صحي شامل، ما صعّب التنقل إلى مراكز التبرع بالدم. لذلك، دعا المركز في أكثر من مناسبة إلى التبرع بالدم لتلبية احتياجات المرضى.
وجدد المركز منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، دعوته المواطنين للإقبال على التبرع بالدم لتلافي تراجع مخزون وحدات الدم الذي وصل إلى مستويات متدنية مقارنة بمستوياته العادية، مؤكداً أنّه كان يُخزن في العادة كمية من الدم تكفي لتلبية 6 أيام على الأقل، في حين أنّ الكمية التي يُخزنها حالياً لا تكفي لخمسة أيام.
كما أكد ضرورة "احترام النصوص القانونية، خصوصاً في ما يتعلق بتفادي التجمعات والاكتظاظ وعدم اصطحاب المرافقين، والتنسيق مع المركز الوطني والمراكز الجهوية التابعة له، عن طريق الموقع الإلكتروني للمؤسسة أو صفحتها على فيسبوك، وذلك لضمان التبرّع في ظروف تضمن السلامة للجميع".
وذكر المركز أنّه "يمكن التسجيل مسبقاً لتتم مهاتفة المواطن وتحديد موعد وتأمين ترخيص لتنقله من مقر سكنه، مؤكداً أنّ قاعة الانتظار تتوفر فيها جميع شروط السلامة، وتُعقّم يومياً ولا يدخلها إلا المتبرع السليم، مشيرا إلى أنّه رغم تفشي فيروس كورونا، يجب أن يستمر التبرع بالدم لتستمر الحياة". مع ذلك، بقي الإقبال دون المأمول في غالبية الجهات وفق ما أكده المركز.
من جهته، يقول المدير الجهوي للصحة في محافظة سوسة سامي الرقيق لـ "العربي الجديد"، إن "غالبية مراكز التبرع بالدم شهدت نقصاً كبيراً في مخزونها الاستراتيجي من الدم بسبب مخاوف الناس من الإصابة بالعدوى، بالإضافة إلى صعوبة التنقل. وكان مركز التبرع بالدم في الجهة قد وجه نداء للتبرع بالدم بمعدّل ثلاثين متبرعاً يومياً لتأمين الحاجة الأساسية من وحدات الدام للحالات الطارئة".
وفي محافظة القصرين، سُجل نقص كبير في مخزون الدم، وتراجعت نسبة إقبال المواطنين على التبرع. وأكدت الإدارة الجهوية للصحة في الجهة أنّ غالبية الحالات الطارئة اعتمدت تبرعات أفراد العائلة. إلا أن بعض الحالات تحتاج إلى متبرعين من خارج العائلة بحسب فصيلة الدم. لذلك، دعت أكثر من مرة إلى ضرورة التبرع بالدم وخصوصاً مع تخفيف إجراءات الحجر، واتخاذ إجراءات السلامة في مراكز التبرع بالدم.
وتؤكد إدارة الصحة أنّ العديد من العمليات الجراحية أُرجئت بسبب عدم وجود متبرعين بالدم، رغم أن غالبية مراكز التبرع بالدم أكدت أنّها اتخذت كل إجراءات السلامة، كما أنها تخضع جميع الراغبين في التبرع بالدم إلى الفحوصات اللازمة قبل عملية التبرع بالدم، بالإضافة إلى اتخاذ اجراءات لتجنّب وجود أكثر من شخصين داخل مركز التبرّع.
وتسجل تونس سنوياً نحو 230 ألف عملية تبرّع اعتبرها المركز الوطني لنقل الدم مقبولة، علماً أنها يجب أن ترتفع أكثر بسبب ارتفاع نسبة حوادث الطرقات سنوياً، ما يتطلب وجود وحدات دم، بالإضافة إلى عمليات زرع الكبد والنخاع الشوكي والقلب وغيرها.