استمع إلى الملخص
- مفيد عرنوس، مدرس بالمرحلة الابتدائية، يبتكر وسائل تعليمية من مخلفات لتعويض النقص ويواجه تحديات تتعلق بعدم وجود مكان مناسب لإنجاز العمل، مع رغبته في تطوير مشروعه لخدمة تلاميذ جميع المراحل.
- إخلاص جحجاح وحمزة أحمد يؤكدان على الصعوبات المتعلقة بتأمين الوسائل التعليمية المتطورة والتحديات المالية، بما في ذلك تدني رواتب المدرسين، مما يؤثر على استقرار العملية التعليمية ونفسية المعلمين.
تشهد مدارس التعليم العام الأساسي والثانوي في شمال غربي سورية تراجعاً حاداً بسبب النقص الكبير في الوسائل التعليمية فضلاً عن التراجع الكبير في رواتب المدرسين الذي يحد من تحفيزهم على العطاء، ويدفعهم إلى التوجه للتعليم الخاص.
يقول مدير مدرسة مصطفى عموري للتعليم الأساسي في مدينة بنش، مصطفى سميسم، لـ"العربي الجديد": "الوسائل التعليمية ضرورية لتسهيل التعليم بشكل عام، وخاصة وسائل الإيضاح التي تخرج المعلم والطالب عن روتين الدرس، ومن بينها مجسمات التشريح والخرائط والرسوم وغرف المخابر والحاسوب، وكلها تساعد بشكل كبير في توضيح الدروس، وتسهل الشرح بشكل عملي، إضافة إلى الضرورة الملحة لوجود طابعة وأجهزة حاسوب لقراءة الملفات الإلكترونية، والعمل عليها في جميع مراحل التعليم. يتابع: "مدارس شمال غربي سورية تفتقر بشكل كبير إلى هذه الوسائل التعليمية التي كانت متواجدة قبل عام 2011. من الطبيعي عندما يكون هناك وزارة تعليم مستقرة أن تدعم بشكل مستمر احتياجات المدارس، وبالتالي يكون الوضع التعليمي أكثر استقراراً. على أرض الواقع، كثير من المدارس تدعمها منظمات تقوم بتأمين بعض الوسائل التعليمية، والمدارس المدعومة من قبل مديرية التربية لديها بعض الوسائل البسيطة مثل الخرائط والرسومات، أما الوسائل التعليمية الإلكترونية فهي غير موجودة على الإطلاق".
يضيف سميسم: "دعم رواتب المدرسين الشهرية هو موضوع رئيسي، وهو أحد محاور استمرارية العملية التعليمية، فالمعلم الذي لا يتقاضى راتباً مستقراً لن يستطيع مواصلة العمل بسبب حاجته الملحة للمال في ظل الوضع الاقتصادي المتردي الذي نعيشه، ما يجعل كثيرين يلتزمون بعمل آخر يؤمن لهم قوت يومهم، بينما وجود راتب شهري مستقر يريح المدرس نفسياً، ويدفعه للتفرغ للتعليم، والالتزام بالدوام اليومي. دعم الرواتب كان يتم سابقاً عن طريق المنظمات، وحالياً، تقوم وزارة التربية التابعة للحكومة المؤقتة بتأمين رواتب المدرسين، ودعم المدارس".
من جهته، اضطر مفيد عرنوس (41 سنة) وهو مدرس بالمرحلة الابتدائية في بلدة أطمة، ونازح من ريف معرة النعمان، إلى ابتكار وتصنيع وسائل تعليمية يدوية من مخلفات وبقايا النفايات البلاستيكية والكرتون، والتي قام بإعادة تدويرها لتلافي نقص وسائل الإيضاح في مدارس شمال غربي سورية. يقول عرنوس لـ"العربي الجديد": "بدأت قبل عدة سنوات ابتكار بعض الوسائل التعليمية التي تساهم في جذب الأطفال إلى التعلم، فقمت بصنع وسائل على شكل لعبة تقدم الهدف التعليمي. في البداية، كانت آلية العمل تعتمد على جمع مواد بلاستيكية وكرتونية، ثم أقوم بصنع الوسيلة التعليمية الجديدة، ثم بدأت إشراك الطلاب في مراحل صنع تلك الوسائل خلال أوقات الفراغ، وضمن الإمكانات المتوفرة. نسب الإقبال مدهشة، فالأطفال يعشقون اللعب، وبذلك نكون قد حققنا الهدف التعليمي مع تبسيط الأفكار للتلاميذ لضمان رسوخها في أذهانهم".
عدم انتظام رواتب المدرسين أحد أسباب تراجع العملية التعليمية السورية
يضيف: "أواجه بعض الصعوبات بالطبع، أهمها عدم وجود مكان خاص لإنجاز العمل، فأنا أقيم في غرفة واحدة مع أسرتي المكونة من سبعة أفراد، ولدي خيمة فيها حاسوب، وبعض الوسائل والأدوات من أوراق وصمغ وسليكون، وبعض هذه المستلزمات جمعتها من بقايا النفايات وعلب النايلون والكرتون. آمل تطوير تلك الخيمة، وتحويلها إلى مركز لصنع الوسائل التعليمية، فهدفي خدمة تلاميذ جميع المراحل التعليمية، وأحلم ببدء مشروعي الخاص لرعاية أطفال التوحد وذوي الاحتياجات الخاصة".
بدورها، تؤكد مديرة مدرسة "تاج المعرفة" الخاصة في مدينة بنش، إخلاص جحجاح، لـ"العربي الجديد": "ليس لدينا وسائل تعليمية بالمطلق، والإمكانات محدودة، بينما التعليم الحديث يحتاج إلى وسائل متطورة، واستطعنا بجهود تطوعية وبمساعدة من ذوي بعض الطلاب تأمين بعض الرسوم والوسائل التعليمية البسيطة اللازمة للشرح وتوصيل الأفكار. على الرغم من محدودية الرواتب وانعدامها في بعض الأحيان، لكننا نحاول خدمة طلابنا، ووجود الوسائل التعليمية يساهم في التقليل من وقت وجهد الطالب والمدرس، ففي حال كان الدرس عن الجهاز الهضمي مثلاً، وكانت الرسوم متواجدة، لن يضيع المدرس وقته في رسمها على السبورة، كما ستكون متاحة في أي وقت".
تتابع جحجاح: "المنظمات الإنسانية تقوم بدفع الرواتب فقط، وليس بشكل منتظم أيضاً، وفي النوادي الصيفية يحصل المدرس على راتب ضعيف قد لا يصل إلى 50 دولاراً أميركياً في الشهر، وهذا ينعكس سلباًَ على سير العملية التعليمية، وعلى نفسية المعلم الذي لا يتقاضى الأجر المناسب، فيكون إنتاجه أقل. في بعض الأحيان يكون هناك معلمون متطوعون لا يتقاضون أجراً، وهؤلاء لا يلتزمون بالدوام اليومي، وقد يتأخرون من دون ضوابط أو مسؤولية، بينما المعلم الذي يتقاضى أجره على ساعات الدوام يكون ملتزماً".
وتضيف: "من أهم الوسائل التي يجب على كل مدرسة توفيرها الحواسيب، والخرائط لمادة الاجتماعيات، ورسومات العلوم، إضافة إلى المجسمات، والمخابر، وغرف الأنشطة. الوضع في المدارس الخاصة مختلف نوعاً ما، فقد وفرنا جهاز كمبيوتر وطابعة، فضلاً عن بعض الوسائل التي يقوم المدرسين بتجهيزها في المدرسة لاستخدامها بشكل دوري عند الحاجة إليها".
بدوره، يؤكد قائد الفريق في القسم التعليمي بالمنتدى السوري، حمزة أحمد، لـ"العربي الجديد"، أن "وسائل الإيضاح تشمل مجموعة من المعدات التي تستخدم لتسهيل العملية التعليمية، وهي تزيد من اهتمام الطلاب، وتوفر التنوع في طرق الشرح، علاوة على أنها تظهر كيف تبدو الأشياء في الواقع، وهي تستخدم عندما تكون المعلومات معقدة، أو عندما يتطلب الأمر تذكر تلك المعلومات، وأيضاً لشدّ انتباه المتعلمين إلى الدرس، وتلخيص التفاصيل والنقاط. توفر وسائل الإيضاح في المدارس مهم، ويساعد المعلمين في إيصال المعلومات، كما يجعل المعلومات ترسخ في ذهن الطلاب من خلال ربط النظري بالعملي. بعض هذه الوسائل يتواجد في معظم المدارس المدعومة من قبل المنظمات، مثل الرسوم والخرائط والمجسمات، لكن غالبية المدارس لا يتوفر لها دعم".
يضيف: "هناك بعض وسائل الإيضاح الجيدة والتي تواكب التطور، مثل الكمبيوترات والمجسمات والمحابر، لكنها تحتاج إلى ميزانية كبيرة حتى يتم تأمينها، وعدم توفرها في المدارس يعني الاقتصار على السبورة والكتاب المدرسي، وهذا يؤثر على جودة التعليم وإيصال المعلومات المعقدة، وبعض المدارس تقتصر الوسائل التعليمية فيها على الخرائط والرسومات التي جرى تأمينها من خلال المنظمات الداعمة للعملية التعليمية".
ويشير أحمد إلى أن "رواتب المعلمين في المناطق المحررة متدنية، كما يعمل الآلاف منهم في إدلب بشكل طوعي، بينما يتقاضى المدعومون من قبل المنظمات رواتب تتراوح بين 150 إلى 180 دولاراً أميركياً، بينما يتقاضى المعلمون في مناطق شمال وشرق حلب رواتب لا تتجاوز 1100 ليرة تركية، وقد تضرر هؤلاء مع تدني سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار، وتقلصت قيمة رواتبهم من نحو 120 إلى 70 دولاراً. هذه المبالغ لا تؤمن الحد الأدنى للمعيشة. كل تلك الأسباب دفعت مئات المعلمين إلى ترك مهنة التعليم والبحث عن مهنة أخرى تساعدهم على تأمين متطلبات الحياة، وأدى ذلك إلى زيادة أعداد الطلاب المتسربين من المدارس، وانخفاض جودة التعليم في المدارس العامة".
يتابع أحمد: "لا شك أن توفر الرواتب للمعلمين ينعكس إيجاباً على العملية التعليمية من خلال استقرار العمل في المدارس، والتزام المعلمين بالتحضير الجيد والمتابعة اليومية من خلال رفع مستواهم المعيشي، والتدريب والاستقرار الوظيفي، فالارتباط وثيق بين جودة التعليم وأجور المعلمين في المدارس، فكلما استقرت الرواتب استقر الوضع المعيشي، ووجدت مساحة من الاستقرار المادي والنفسي للمعلم، يحثه على التطوير الذاتي، وتطبيق معايير التعليم والتعلّم".