ترتفع معدلات إصابة السجناء في العراق بالأمراض المزمنة والتنفسية والحالات النفسية الخطيرة جرّاء الإهمال والتراجع المستمر في مستوى الخدمات الممنوحة لهم، إضافة إلى سيطرة جهات محددة على توفير الأكل والشرب وحاجات السجناء، في ظل تراجع الرقابة من قبل المنظمات الحقوقية وتجميد مفوضية حقوق الإنسان.
وقال عضو نقابة المحامين العراقيين، عامر خيري، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، إن "العراق لم ينجح في تخليص سجونه من قبضة الأحزاب، حيث إن السجون تحولت إلى دوائر حزبية وتدار بطريقة المحاصصة، وتتوزع المهام وفقاً للتمثيل الحزبي داخل السجون والدوائر الإصلاحية، وإن الصحة والطعام والاهتمام والنظافة الخاصة بالسجناء تحولت إلى مصادر كسب مالي لبعض الأحزاب، وهي تسعى إلى مزيدٍ من الأرباح على حساب السجناء".
وأضاف خيري أن "هناك حالات مرضية تحدث بسبب الاكتظاظ بالسجناء، واختلاطهم على أسس غير قانونية، حيث إن بعض قاعات السجون العراقية تحتوي على القاتل والمتهم بسرقة مبلغ مالي بسيط إلى جانب متعاطي المخدرات"، وأشار إلى أن "النقابة أبلغت وزارة العدل عن الزيادة الكبير بأعداد المصابين بالتدرن والأمراض التنفسية ومنها الربو، لكن الوزارة لم تتعاط مع الشهادات والإفادات والطلبات والشكاوي المقدمة لها".
من جهته، قال عضو مفوضية حقوق الإنسان، فاضل الغراوي، لـ"العربي الجديد"، إن "المفوضية ومنظمات حقوقية تتلقى الكثير من الشكاوى التي تتحدث عن تعرض السجناء إلى أمراض بعضها خطير ويستدعي اللجوء إلى مستشفيات حديثة تحتوي على تقنيات متطورة"، مؤكداً أن "هناك تأكيدات كثيرة تشير إلى رداءة في الطعام وسوء المعاملة أثناء مرض السجناء، وقد تحدثنا كثيراً مع وزارة العدل والسلطات العراقية، وقالت وقتها إنها ستتعامل مع الأمر، لكن لم يحدث شيء على أرض الواقع".
وفي أحدث التأكيدات على تراجع المستوى الصحي للسجناء العراقيين، كشف حسين الساعدي، مدير سجن الناصرية المركزي، جنوب العراق، أن أغلب نزلاء السجون التابعة لوزارة الداخلية يتعرضون للإصابة بمرض "التدرّن"، مبيناً أن "أغلب نزلاء السجون التحقيقية التابعة إلى وزارة الداخلية يصابون بالتدرن أو أمراض أخـرى، نظراً لافتقارها إلى البرامج التي تنفذ داخل السجون التابعة لوزارة العدل، التي تتجاوز 60 برنامجاً إصلاحياً، وبالتالي فإن مرض التدرن يعد مرضاً دخيلاً على سجن الناصرية".
وأضاف في تصريحٍ نشرته الوكالة العراقية الرسمية (واع)، أمس الخميس، أن "سجن الناصرية المركزي وعلى الرغم من الاكتظاظ الذي تشهده قاعاته، إلا أنه ملتزم بإعطاء جرعات اللقاحات الخاصة بالوقاية من مرض كورونا، إذ يتم حالياً إعطاء الجرعة الثالثة للنزيل ومنحه كارت اللقاح"، موضحاً أن "أي حالة وفاة تحدث للنزلاء تكون إما بسبب كبر السن أو إصابتهم بأمراض مزمنة، ويوجد تحقيق إداري وقضائي واستمارة تشريح للنزيل المتوفى في هذه الحالة".
لكن الناشط الحقوقي في محافظة ذي قار، ساهر شنون، أكد "وفاة عشرات السجناء في سجن الناصرية جرّاء إصابتهم بأمراض تنفسية، وبعضهم أصيب بالجرب، منذ مطلع العام الحالي"، وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الوضع مزر في سجن الناصرية، ويسيطر حزبيون على جميع العقود الخاصة بتحسين الواقع الصحي وشركات التغذية، وهناك فساد كبير يجري هناك".
ولا توجد أرقام رسمية حول أعداد السجناء والمعتقلين الذين قضوا في السجون العراقية جراء التعذيب أو الأمراض المعدية وسوء التغذية، لكن تكرار حوادث وفاة السجناء جعل القضية محل اهتمام واسع من المنظمات الحقوقية وأهالي السجناء، ويتحدّث حقوقيون عن استمرار التعذيب والانتهاكات، عدا عن ابتزاز السجناء، وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" دعت في وقت سابق الحكومة والبرلمان إلى إقرار تشريعات تعالج أوجه القصور الرئيسية المتعلقة بحقوق الإنسان في القانون العراقي.
وكان المتحدث باسم وزارة العدل العراقية، أحمد لعيبي، أكد في مايو/ أيار الماضي، أن بلاده تنوي بناء المزيد من السجون بسبب ما وصفه بـ"حالة الاكتظاظ داخل السجون الحالية"، وذلك بالتزامن مع تقارير أكدت استمرار الانتهاكات في المعتقلات العراقية، كجرائم التعذيب وانتزاع الاعترافات بالقوة، والحبس بدون محاكمات، فضلاً عن سوء التغذية وضعف الخدمات العلاجية والتعمد في تأخير إطلاق سراح النزلاء رغم انتهاء فترة أحكامهم.
وتضاعف عدد السجون في البلاد منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003 عدة مرات، إذ أنشأت سلطة الاحتلال المؤقتة ثلاثة سجون في السليمانية والبصرة وبغداد، قبل أن توسع الحكومات المتعاقبة خطة السجون، ليرتفع العدد إلى 13 سجناً رئيسياً تنتشر في مدن وسط وجنوب البلاد، فضلاً عن العاصمة بغداد، وإقليم كردستان، عدا عما يعرف بالسجون المؤقتة التي تتبع وزارتي الداخلية والدفاع، وتُعرف في العراق بـ "التسفيرات".