بينما تؤكد منظمات حقوقية أنّ نهج العنف ضد النساء مستمر في التصاعد في تركيا، ليشهد طفرة خلال العام الجاري 2020، فإنّ خبراء يؤكدون أنّ الإحصاءات غير رسمية، والوقائع مختلفة عمّا تروج له المنظمات
أعادت القنبلة التي علقها التركي بيرم جليك (32 عاماً) قبل أيام، في باب منزله، بمدينة نفشهير، لمنع زوجته من الخروج، بعد طلبها الطلاق منه، الأخبار الكثيرة عن حوادث العنف ضد المرأة في تركيا إلى الواجهة. وكشف محضر الشرطة، أنّ الخلاف نشأ بين الزوجين المقترنين منذ عامين، من جراء اكتشاف الزوجة، هاجر جليك (26 عاماً) أنّ زوجها خدعها بخصوص عمله، إذ لا يعمل في مجال قطع السيارات كما زعم أمامها طوال الفترة الماضية. ولأنّ محاولات الإصلاح لم تجدِ نفعاً، بحسب بيان الشرطة، طلبت الزوجة الانفصال، ليفاجئها زوجها بربط قنبلة على باب المنزل تنفجر بمجرد خروجها، ما دفعها لإبلاغ الشرطة التي فككت القنبلة واعتقلته.
هذه الجريمة وغيرها مما تنشره وسائل الإعلام، دفعت وزير الداخلية، سليمان صويلو، ليخصص المرأة بأول حديث له، بعد شفائه من كورونا، وتأكيده أنّ "واجبنا هو أن نحول دون وقوع جنايات" مشيراً إلى أنّ لدى المجتمع التركي القدرة على ضبط النفس بطرقه الخاصة، وأنّ مفهوم الأسرة بالغ الأهمية. وذكّر أنّ بلاده، منذ عام 2012، اعتمدت القانون 6284 الذي يضمن كامل حقوق المرأة، ويحميها من العنف بجميع أشكاله، داعياً من يضرب المرأة إلى "ضرب نفسه بدلاً من ذلك، وسنقوم بمسؤولياتنا تجاهه".
في ما خصّ حوادث العنف ضدّ النساء في البلاد، ذكرت وكالة "بيانيت" المختصة بحقوق الإنسان في تركيا، أنّ 253 امرأة تركية قُتلن خلال 327 يوماً من العام الجاري 2020، علاوة على تعرض 715 امرأة للتعنيف، مشيرة إلى أنّ نصف الضحايا قتلن على يد الزوج أو الحبيب، سواء كان حالياً أم سابقاً، فيما هناك أكثر من 50 امرأة قتلن على يد الوالد أو الابن، بينما قتلت 16 امرأة على يد الجار أو الصديق. ووفقاً لتقرير الوكالة (منظمة غير حكومية) فقد قتل الرجال 150 امرأة بأسلحة نارية، فيما استخدموا السكاكين لقتل 66 امرأة، وقتلوا ثلاث نساء حرقاً، فيما قضت 14 امرأة خنقاً، وقُتلت 5 نساء بسبب الضرب المبرح، وسبع نساء بإلقائهن من الشرفة أو من السيارة أو من جرف مرتفع.
من جهته، يشكك رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة "ابن خلدون" في إسطنبول، رجب شان تورك، بدقة أرقام وكالة "بيانيت" إذ يلفت إلى أنّه لم تصدر إحصاءات رسمية هذا العام عن عدد وحالات قتل وتعنيف المرأة، معتبراً في حديث إلى "العربي الجديد" أنّ عدد حوادث العنف لم يزد، لكن جرى توسيع تعريف ومفهوم العنف، "فأن يتم إدراج التعنيف اللفظي، من جراء خلاف أسري بين زوجين، ضمن الجرائم، فهذا يزيد الأرقام والنسب بشكل غير علمي". ويشير شان تورك إلى أنّ "القانون التركي يقف في صف المرأة، وهذا حقها، لكن أن يعطيها القانون حق الادعاء من دون دليل وقبول شكواها إلى حدّ إبعاد الزوج عن البيت أو تجريمه من دون قرائن، ففي ذلك ظلم للرجل طالما أنّنا ننشد العدالة الإنسانية وعدم الوقوع بفخ التفريق والتعاطف بحسب الجنس". ويشير الأكاديمي التركي إلى أنّ فترة الحجر المنزلي خلال العام الجاري، وما يتولد عنها من تأزم نفسي وأحياناً معيشي، ربما تكون سبباً مهماً بزيادة الشكاوى أو حتى جرائم التعنيف والقتل، داعياً إلى التفريق بين الجرائم وعدم الخلط بأسبابها، متسائلاً: "لماذا لا يركز الإعلام والمنظمات على قتل الرجال، سواء على يد رجال آخرين أو نساء، وهي حوادث كثيرة، لكنّها، قلما تُنشر، أو تُسلَّط عليها الأضواء؟".
في المقابل، تقول مصادر لـ"العربي الجديد" إنّ حالات العنف ضد المرأة ارتفعت العام الجاري بسبب الحجر المنزلي وما تركه وباء كورونا من آثار اقتصادية ونفسية، إذ تلقت مديرية أمن إسطنبول، ثلاثة آلاف شكوى من النساء، كما ارتفعت حالات الطلاق بأربعة أضعاف ما كانت عليه العام الماضي.
وتقول ملك أوندر، ممثلة منصة منع الجرائم بحق المرأة، لـ"العربي الجديد": "نسجل زيادة في الجرائم ضد النساء خلال العام الجاري. وبالرغم من أنّ فترة كورونا أضعفت التواصل مع النساء، فإنّ لدينا مؤشرات خطرة، فمثلاً خلال مارس/ آذار الماضي، بداية الحجر المنزلي، قُتلت تسع وعشرون امرأةً نتيجة العنف الأسري" ما يوجب على الحكومة أن "تراجع سياستها في حماية المرأة، فهذه الجرائم بدأت بالازدياد بعد عام 2011، لتصل إلى ذروتها في فترة كورونا هذا العام".
من جهتها، تتساءل الباحثة بجامعة "محمد الفاتح"، عائشة نور، عن طريقة إحصاء النساء اللواتي قتلن، إن كانت إحصاءات بلادها لا تفرق بالجنس بين ضحايا جرائم القتل، معتبرة أنّ ثمة "تهويلاً وعزفاً على هذا الوتر من بعض المنظمات الحقوقية" لأنّ "تركيا من خلال اتفاقية إسطنبول التي ساهمت في صياغتها ووقعتها مع مجلس الاتحاد الأوروبي عام 2011، وباتت سارية المفعول منذ عام 2012، تراعي جميع حقوق المرأة ولا تفرق بينها وبين الرجل على أيّ صعيد". لكنّ نور، لا تنفي في حديثها إلى "العربي الجديد" ارتفاع نسبة الجريمة بشكل عام في البلاد، لأسباب اقتصادية ونفسية واجتماعية، كما أنّ "لسرعة وسائل الاتصال والتواصل دوراً في كشفها، وأحياناً بنشرها مجزوءة، ومن وجهة نظر القائمين على وسائل التواصل الاجتماعي أو الوسائل الإعلامية".
بدوره، يقول القانوني التركي، يوسف كاتب أوغلو، إنّ حقوق المرأة مصانة بالدستور التركي، حتى قبل أن تتماشى بعض القوانين الأخرى مع شروط كوبنهاغن (الشروط الأساسية لدخول الدول إلى الاتحاد الأوروبي) والتفاوض للدخول إلى الاتحاد. أما في ما يتعلق بارتفاع نسبة الجرائم ضد النساء، سواء أكانت تعنيفاً أم قتلاً، يعتبر كاتب أوغلو، في حديثه إلى "العربي الجديد" أنّ ثمة مبالغة بتسليط الضوء على هذا الجانب من بعض وسائل الإعلام، ومبالغة مماثلة أيضاً من منظمات تسعى إلى تكريس هذا الواقع المفتعل، فالقوانين التركية تمنح المرأة نصف ممتلكات الرجل، بل لا يحق للزوج إجراء عمليات مصرفية حتى من دون موافقة زوجته، فضلاً عن مساواة المرأة بالكامل مع الرجل أمام القانون، ومنع تعدد الزواج. ويشير كاتب أوغلو إلى أنّ تناقض القوانين العلمانية المتبعة ومعها بعض القوانين الأوروبية، مع مجتمع محافظ بمجمله والبيئة الشرقية والإسلامية في تركيا عموماً، قد يمثل دافعاً لنشوب الخلافات وربما ارتفاع نسبة الجريمة.