يراهن مزارعون مغاربة على قانون مرتقب لتشريع القنب الهندي لاستخدامات محددة، لرفع الغبن الذي يطاولهم، بالإضافة إلى الفقر، مع غياب الزراعات البديلة
في وقت يوشك فيه المغرب على قطع خطوة هامة نحو تشريع القنب الهندي (الحشيش) لأغراض طبية وصيدلانية وصناعية، تثار تساؤلات بشأن إمكانية تحول التشريع إلى حلّ اجتماعي لأوضاع آلاف المغاربة، الذين تعدّ زراعة النبتة المخدرة النشاط الاقتصادي الوحيد لهم في منطقة ينتشر فيها الفقر. وبينما كان توجه الحكومة المغربية نحو تشريع زراعة القنب الهندي قد أثار، خلال الأيام الماضية، سجالاً حاداً حول دوافعه وتوقيت طرحه، فإنّ هناك من يرى أنّ ذلك التوجه سيسهم في الاستفادة من الفوائد الصناعية للقنب، بما يعود بالنفع على المزارعين الصغار حالياً، بدلاً من جني المافيات أرباحاً كبيرة حالياً على حسابهم.
وفي انتظار الحسم من قبل المؤسسة التشريعية، خلال الأيام المقبلة، يشكل مشروع قانون "الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي" طوق نجاة لآلاف العائلات في الشمال المغربي، التي تعيش من عائدات تلك الزراعة المحظورة قانوناً في البلاد، كما أنّه وسيلة لإنهاء معاناتهم جراء شعورهم بالخوف الدائم بسبب اعتقال المزارعين أو البحث عنهم لمخالفتهم القانون باستمرار من خلال زراعة النبتة، مع عدم توفر زراعة بديلة.
يقول محمد، وهو مزارع قنب هندي في بلدة كتامة (محافظة الحسيمة، شمال المغرب، وللبلدة سمعة في زراعة القنب الهندي) لـ"العربي الجديد": "نحن - المزارعين- لا نكسب الكثير. الناس مثلي، ممن لديهم مساحات صغيرة من الزراعات، يحققون مكاسب ضعيفة، لكنّ المهرّبين وتجار المخدرات هم المستفيدون. لذلك، نأمل خيراً في أن يساعد تشريع زراعة الكيف (التعبير المستخدم في المغرب للقنب الهندي) في تحسين أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية". ويلفت إلى أنّ المزارعين لا يلجؤون إلى هذا النشاط إلا لأنّهم مضطرون، كونهم لا يجدون عملاً آخر. كذلك، فإنّ الآلاف منهم يعيشون مآسي اجتماعية ونفسية كبيرة كونهم ملاحقين، ويرفض كثيرون منهم الظهور في الأماكن العامة خشية الاعتقال، كما يضيف.
بالنسبة لزعيم الكتلة النيابية لحزب الاستقلال (المعارض)، نور الدين مضيان، فإنّ طرح مشروع قانون "الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي" يقتضي فتح نقاش مجتمعي موسع ومسؤول حول "الكيف" تشارك فيه مختلف الأطراف، والفاعلون المعنيون إقليمياً، وجهوياً، ووطنياً، من أجل إيجاد حلول واقعية، وتدابير اقتصادية ناجعة، وإجراءات اجتماعية بديلة، وواقعية، ما من شأنه وضع حدّ لمعاناة الفلاحين، الذين وجدوا أنفسهم، تاريخياً، يعيشون من زراعة القنب الهندي، كما أنّهم في حال إطلاق سراح مؤقتة، من جراء ملاحقة السلطات لهم. يتابع مضيان الذي كان قد تقدم حزبه في 2013 بمقترح قانون لتشريع القنب الهندي، من دون أن يرى النور، من جراء موقف الحكومة الرافض حينها: "اليوم أمامنا مشروع قانون لتشريع القنب الهندي جاءت به الحكومة، ونأمل أن يضع حداً لحالة الخوف والرعب في صفوف المزارعين". ويؤكد في حديث إلى "العربي الجديد" على ضرورة توفير البدائل للمزارعين، والحلول الكفيلة بضمان العيش الكريم لهم، وتعزيز استقرارهم الاجتماعي، بعدما أصبحوا يعيشون وضعاً متأزماً.
وبموجب مشروع قانون رقم 13-21 المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، الذي أعدته وزارة الداخلية المغربية، فإنّ جميع النشاطات المتعلقة بزراعة وإنتاج وتحويل وتسويق النبتة المخدرة ومنتجاتها ستخضع من الآن فصاعداً لنظام الترخيص، الذي يتطلب إذناً مسبقاً. وبهدف تحقيق تحول سريع للنشاطات الزراعية للقنب الهندي غير المشروعة نحو الننشاطات المشروعة، يحتفظ المشروع بكامل فرص النمو لنشاطات الزراعة للسكان المنخرطين فيها تاريخياً، أي المزارعين التقليديين، كما يرمي إلى جعل برنامج القنب الهندي القانوني مشروعاً مدمجاً يحقق مشاركة الجميع. وتشير المذكرة التقديمية لمشروع القانون إلى أنّ "تطوير الزراعات المشروعة للقنب الهندي كفيل بتحسين دخل المزارعين، وحمايتهم من شبكات التهريب الدولي للمخدرات". وترتكز خطة الحكومة المغربية لتشريع زراعة القنب الهندي على إنشاء وكالة وطنية يعهد لها، بالتنسيق بين القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية والشركاء الوطنيين والدوليين، تنمية خط إنتاج فلاحي وصناعي للقنب الهندي، مع الحرص على تعزيز آليات المراقبة.
في هذا السياق، يقول منسق "الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للقنب الهندي" شكيب الخياري، إنّ المشروع سيخرج المزارعين من حلقة الاتجار غير المشروع بالمخدرات بتمكينهم من إيجاد زبون "قانوني" بعيداً عن تجار المخدرات والمهربين، إذ "سيمنح طريقاً ثانياً لهم لبيع محاصيلهم، في الوقت الذي كان لديهم وما زال إلى يومنا هذا، طريق وحيد فقط يرتبط بمهربي المخدرات، ما سينعكس إيجاباً على السكان مجتمعياً واقتصادياً". ويقول الخياري، الذي يعد أحد أبرز المدافعين عن تشريع زراعة القنب الهندي بالمغرب واستخدامه في المجال الطبي، لـ"العربي الجديد" إنّ مشروع القانون "سيخلّص الفلاحين من الابتزاز والتهديد في ظل المتابعات القضائية التي تنعكس سلباً على أوضاع السكان" مضيفاً: "سيصبح بإمكان المزارعين أن يعيشوا مع أهلهم حياة طبيعية ومستقرة، كما مراجعة الإدارات العامة من دون أيّ مشاكل أو خوف من الارتهان لتجار المخدرات".
لكنّ رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، محمد بنعيسى، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ العديد من مقتضيات مشروع القانون ما زالت غامضة، لا سيما علاقته بالواقع المجتمعي للمزارعين الصغار، لافتاً إلى أنّ المستفيد الأكبر ستكون الشركات التي ستحصل على رخص نقل القنب الهندي. يتابع أنّ شراء القنب الهندي كمادة خام وتصديرها من طرف الشركات يعني أنّ العائد الأكبر ستجنيه هذه الأخيرة، في حين أنّ الدينامية الاقتصادية التي يمكن أن يشكّلها التشريع هي عملية خلق استثمارات للمنطقة توجِد فرص عمل لأبنائها. يشير إلى أنّه في حال غياب الاستثمارات المباشرة من خلال إنشاء مختبرات ومصانع لمنتجات طبية في المنطقة، فإنّ آلاف المزارعين الذين تعتبر زراعة القنب الهندي بسبب طبيعة المناطق الجغرافية، مصدر الدخل الوحيد بالنسبة لهم، سيبقون مجرد عمال وأجراء لدى الشركات الكبرى.
من المستفيد؟
يقول رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، في المغرب، محمد بنعيسى، لـ"العربي الجديد"، إنّ مشروع قانون الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي يطرح إشكالاً حول تحديد المستفيدين منه، مع ما يترتب من محاولات توظيف المشروع من طرف بعض الأحزاب السياسية لاستمالة أصوات السكان، واستغلال المزارعين انتخابياً، وترويج معلومات مغلوطة.