يعاني أهالي المناطق الليبية الخاضعة لسيطرة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في شرق وجنوب البلاد، تغييباً متعمداً للحريات، وقبضة أمنية قاسية لا يمكن معها للحقوقيين أو النشطاء أن يعبروا عن رأيهم، ووثقت تقارير صادرة عن جهات حقوقية محلية ودولية، الأوضاع القاسية التي يعيشها سكان تلك المناطق، خصوصاً بعد توقف الاشتباكات التي كانت تلتهي فيها تلك القوات التي تسبب رجوعها إلى معسكراتها في تفاقم حجم ضغوطها على المواطنين.
في آخر التقارير المتعلقة بالممارسة التعسفية بحق المواطنين، أعلنت منظمة "رصد الجرائم" الليبية، اختطاف قاصرين اثنين في مدينة بنغازي على خلفية تمزيقهما صورا لحفتر في أحد شوارع المدينة. وأوضحت المنظمة، أن "مسلحين تابعين لمليشيا طارق بن زياد، أحد أبرز مليشيات حفتر، كانوا يستقلون سيارة معتمة، واختطفوا القاصرين من منطقة البركة، وهما من أسرتين مختلفتين، وأحدهما يبلغ عمره 15 سنة والآخر 16 سنة، وتم اقتيادهما إلى مكان مجهول.
ونقلت المنظمة عن شهود عيان أن سبب اختطاف المراهقين يتعلق بتمزيق صور خليفة حفتر في أحد الشوارع، وذلك بعد التعرف عليهما من خلال مراجعة كاميرات المراقبة، وحملت المنظمة الحقوقية مليشيا حفتر مسؤولية سلامتهما، وطالبت بـ"الكشف عن مصيرهما، وإخلاء سبيلهما فوراً من دون قيد أو شرط".
وفي نهاية أغسطس/آب الماضي، اعترضت سيارات مليشيا تابعة لحفتر مواطناً في مدينة البيضاء (شرق)، واقتادته إلى "سجن قرنادة" سيئ السمعة، قبل أن ينقل الى "سجن الرجمة" القريب من بنغازي، ونقلت منظمة "رصد الجرائم"، عن شهود عيان، أن "اختطاف المواطن يعود إلى قصيدة ألقاها في إحدى المناسبات قبل ساعات من اعتراضه، ونطالب السلطات في شرق ليبيا بإخلاء سبيله من دون قيد أو شرط، ونحملهم مسؤولية سلامته، وعليهم ضرورة احترام حرية الرأي والتعبير".
وفي مارس/آذار الماضي، شنت مليشيا تابعة لقوات حفتر حملة اعتقالات واسعة طاولت 11 مدنياً في مدينة سرت (شمال وسط)، على خلفية مشاركتهم في وقفات احتجاجية على الأوضاع المعيشية التي يعيشها أهالي المدينة في ظل سيطرة تلك المليشيا، ولا يزال أغلبهم مجهول المصير حتى الآن.
وفي نهاية أغسطس الماضي، فرضت المليشيا المسيطرة على المدينة حظر تجول لقرابة أسبوع على سكان منطقة "أبوهادي"، جنوبي المدينة، ومنعتهم من الوصول إلى المرافق الصحية أو الخدمية، وخوفاً من تسرب الأخبار أو الصور، قطعت عنهم كل وسائل الإتصالات.
وطاول التضييق على الحريات مدن الجنوب الليبي، ففي مطلع يوليو/تموز الماضي، قتل مواطن في مدينة سبها أثناء مشاركته في وقفة احتجاجية ضد الأوضاع المعيشية المتردية في المدينة، وقال شهود عيان لوسائل إعلام محلية، إن الضحية توفي بعد نقله إلى المستشفى متأثرا بإصابته بطلق ناري أثناء محاولة المليشيا تفريق المحتجين.
ولا تقر مليشيات حفتر بمسؤولياتها عن مظاهر التضييق على الحريات، أو الانتهاكات التي تمارسها بحق المواطنين، لكن الناشط المهجر من بنغازي، عقيلة الأطرش، يؤكد أن ما ترصده المنظمات المحلية والدولية "ليس إلا نذر يسير، بينما حجم الانتهاكات أكبر من ذلك بكثير، وفي ظل التعتيم، والقبضة الأمنية المشددة يصعب رصد أعداد ضحايا الانتهاكات".
ويوضح الأطرش في حديثه مع "العربي الجديد"، أن "أكبر سجون مليشيا حفتر هو سجن قرنادة، ولا أحد يستطيع كشف ما يجري في داخله، خصوصاً في الأقسام التي لا يسمح بزيارتها، وهذا سجن معروف، لكن هناك سجون اخرى مجهولة، والمعتقلون الذين ترصد الجهات الحقوقية أعدادهم يجري احتجازهم لعدة أيام، ثم يطلق سراحهم".
ويضيف: "الانتهاكات أكبر من ذلك بكثير، لكن ما يلفت الانتباه هو كثرة الاعتقالات خلال الآونة الأخيرة، والتي طاولت مؤخراً طفلين مزقا صور حفتر، ما يعني أن مستوى الغضب المكبوت لدى المواطن يجعله على وشك الانفجار، واتساع دائرة الاعتقالات دليل على ذلك".
وفي العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حلت ذكرى مرور عامين على اغتيال الناشطة الحقوقية حنان البرعصي، في مدينة بنغازي، على يد مسلحين تابعين لحفتر، على خلفية احتجاجها على الوضع الأمني في المدينة، ولم تجر حتى الآن أية تحقيقات في الواقعة، كما مرت ثلاث سنوات على اختفاء عضو مجلس النواب، سهام سرقيوة، والتي اختطفها مسلحون تابعون لحفتر في يوليو 2019، عقب ظهور تلفزيوني لها، عبرت فيه عن اعتراضها على عدوان حفتر على العاصمة طرابلس.