يشعر كثيرون بالتعب والإرهاق، وقد يكون هذا طبيعياً. لكنّ الشعور الدائم بالتعب يوثر على قدرة الإنسان على العمل وتأدية الواجبات اليومية. ما يقودنا إلى "متلازمة التعب المزمن".
يعاني ما لا يقل عن 2.5 مليون أميركي من هذه المتلازمة، وبحسب بيانات صادرة عن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، فإن نحو ربع الأفراد الذين يعانون من هذه المتلازمة يبقون في الفراش أو المنزل في مرحلة ما من المرض، ولا يستعيد معظمهم أداءهم الذي كانوا عليه قبل المرض.
وتعرف متلازمة التعب المزمن أو التهاب الدماغ والنخاع العضلي باعتبارها اضطراب معقد يسبب إرهاقاً شديداً يستمر مدة ستة أشهر على الأقل، وتتفاقم الأعراض مع النشاط الجسدي أو الذهني، لكنها لا تتحسن بشكل كامل مع الراحة. وبحسب مجلة Medical news today، لا يؤمن بعضهم بأن هذه المتلازمة مرض حقيقي. لكن بدأ الخبراء يتعاملون مع الأمر بجدية أكبر خلال السنوات الأخيرة، ويجري بحث أسباب حدوثها وكيفية علاجها.
وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أنه لا يوجد اتفاق بين الأطباء حول كيفية تشخيص متلازمة التعب المزمن بشكل نهائي. وأجريت مراجعة شاملة للأبحاث المتعلقة بالإرهاق المزمن، وجدت أنه لا تزال هناك أدلة غير كافية لتصنيف التعب المزمن على أنه مرض معدي، كما أكدت على عدم وجود إجماع على نمط تشخيصي موثوق للأعراض. ولا يزال النقاش مستمراً حول الأسباب. والثابت الوحيد هو أن الإرهاق يعد العارض الرئيسي، وأنه يستمر على الرغم من مرور الوقت.
وتعرف الطبيبة النفسية تيريز فرحات متلازمة التعب المزمن بأنها مرض معقد سمته الإرهاق الشديد، والخلل الإدراكي، ومشاكل في النوم، وعدم القدرة على القيام بأنشطة الحياة اليومية". وتقول لـ "العربي الجديد": "يمكن أن تختلف الأعراض من شخص إلى آخر بحسب درجة الإصابة بالمرض، وعادة ما يصاب المريض بالإرهاق بعد القيام بأي عمل روتيني، سواء أكان ممارسة الرياضة أو حتى أي مجهود فكري أو عقلي. النسيان هو من أعراض المتلازمة أيضاً".
وبحسب المكتبة الأميركية للطب، قد يعاني بعض الأشخاص المصابين بالمتلازمة من الصداع، والتهاب الحلق والعُقَد اللِمفية في الرقبة أو الإبطين.
من جهته، يؤكد طبيب الأمراض العصبية، محمد النجار، أن هذه المتلازمة من الأمراض الحديثة، وبدأ الحديث عنها وتصنيفها ضمن الأمراض العصبية في عام 1988. ويقول لـ "العربي الجديد": "على الرغم من أن سبب المرض لا يزال غير معروف، يمكن تصنيفه من ضمن الأمراض العصبية الطويلة المدى التي تؤثر على الجهاز العصبي والمناعة. يرتبط هذا المرض بالعديد من الأعراض العصبية، بما في ذلك ضعف الإدراك والنوم المضطرب والحساسية المفرطة للضوضاء والصداع والألم، بالإضافة إلى تنميل في أعضاء الجسم".
يضيف: "عادة ما يعاني الأشخاص من أوجاع شديدة ترتبط إلى حد كبير بعدم قدرتهم على ممارسة حياتهم اليومية، ويحدث الألم عندما يستخدم الجسم الطاقة الكامنة داخله"، إذ إن المصابين بالمرض يستخدمون طاقتهم الكاملة لإنجاز أمر بسيط، ثم يصبحون غير قادرين على القيام بأي عمل آخر. ويميز هذه المتلازمة عن أمراض أخرى استمرار الإرهاق أو التعب لأيام.
وما من سبب واضح للإصابة بهذه المتلازمة، بحسب منظمة الصحة العالمية. مع ذلك، حددت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها عوامل مسببة لهذه المتلازمة، منها الإصابة بنوع من الالتهابات أو الفيروسات التي تسبب خللاً في الخلايا العصبية.
ويحتمل أن تكون المتلازمة ناتجة أيضاً عن تغيّر في جهاز المناعة وطريقة استجابته للعدوى أو الإجهاد، ويمكن للأشخاص الذين يعانون من أمراض المناعة الذاتية أن يكونوا أكثر عرضة للإصابة بهذه المتلازمة.
ويمكن أن يؤدي الإفراز المزمن للسيتوكينات، وهي بروتينات ينتجها جهاز المناعة وتنظم سلوك الخلايا الأخرى، إلى تغيرات في قدرة الجسم على الاستجابة للتوتر، ما قد يكون سبباً للإصابة بالمرض. وتلعب الوراثة دوراً أيضاً، إذ إن الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي من الإصابة بهذه المتلازمة هم أكثر عرضة للإصابة به.
ويمكن أن تؤدي المتلازمة إلى الاكتئاب. وقد يحتاج المريض إلى أدوية مضادة للاكتئاب أو استشارة الطبيب النفسي. وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، يمكن أن يساعد الطب البديل في معالجة هذه المتلازمة، أو التخفيف من حدتها.
وتُظهر الدراسات أن النساء أكثر عرضة للإصابة بمتلازمة التعب المزمن بمعدّل 4 مرات مقارنة بالرجال، كما يلعب العمر دوراً، فعادة ما تؤثر المتلازمة على الأشخاص في منتصف العمر، لكنها تظل محتملة في أي عمر، ولا يوجد علاج محدد، وعادة ما توصف للمصابين أدوية مهدئة أو عقاقير تساعد على تخفيف الأوجاع.