بدأت الجهود العالمية لإنتاج لقاح لفيروس كورونا في يناير/ كانون الثاني الماضي، بعد وقت قصير من نشر علماء في الصين جينوم الفيروس الذي يسبب التهابًا رئويًا، وعادة ما يستغرق تطوير لقاح سنوات قبل أن يتم السماح باستخدامه، وخلال هذه السنوات، تلتزم الشركات والمختبرات بالكشف عن خطوات كل مرحلة من مراحل تطوير اللقاح.
وفصلت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في تحقيق مطول، الاثنين، مسار إنتاج لقاح فيروس كورونا، مقارنة بين المدى الزمني لإنتاج لقاحات سابقة لتوضيح المراحل التي يمر بها إنتاج لقاح، وتتبعت الصحيفة في ذلك نحو 200 لقاح تجريبي، للنظر في الإجراءات المتخذة، والمدة الزمنية اللازمة.
خلال فترة الأبحاث، يتم إنتاج لقاحات تجريبية مرشحة في المختبر، واختبارها على الحيوانات قبل الانتقال إلى التجارب السريرية على البشر، ويقول الخبراء إن هذه الخطوات تتداخل حاليا في السباق لإيجاد لقاح للوباء العالمي الذي أودى بحياة أكثر من مليون شخص، إذ بدأت التجارب على البشر في بعض الحالات قبل انتهاءها على الحيوانات، ومع إطلاق الشركات المختلفة لتجارب المرحلة الأولى التي تهدف إلى تحديد الجرعة الصحيحة، فإنها تخطط لتجارب المرحلة الثالثة، والتي تقيّم ما إذا كان اللقاح فعالا وآمنا.
ورغم ضرورة الإسراع بإيجاد اللقاح، إلا أن أي من الشركات لم تتجاوز هذه الخطوات، ووعد كبار المسؤولين الحكوميين، مرارًا وتكراراً، بأنه لن يتم النظر في الموافقة على أي لقاح إلا بعد تجربة المرحلة الثالثة الكبيرة. وتقول إدارة الغذاء والدواء الأميركية إن "لقاح (كوفيد-19) سيلزم أن يوقف المرض، أو يقلل الأعراض بنسبة 50 في المائة على الأقل، مع الأخذ في الاعتبار أن لقاح الإنفلونزا يخفف المرض ما بين 40 إلى 60 في المائة، وبالتالي يحتاج لقاح فيروس كورونا إلى مزيد من الدراسات والأبحاث والتجارب".
وحسب الصحيفة الأميركية، فإن المعايير الموضوعة من قبل الدول للاختبارات تختلف بحسب القوانين المعتمدة.
وعلى سبيل المثال، أعلنت روسيا أنها ستبدأ في استخدام لقاحها على الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بالفيروس في أغسطس/آب، قبل بدء المرحلة الثالثة من التجارب، وسمحت الصين باستخدام اللقاح على أفراد الجيش، في حين ترفض الولايات المتحدة إعطاء اللقاحات قبل المرور بالمرحلة الثالثة.
وحدد باحثون أميركيون هدفًا جريئًا، في يناير الماضي، لتطوير لقاح للفيروس في غضون 12 إلى 18 شهرًا، وسيكون هذا رقما قياسيا عالميا، إذ يستمر البحث عن لقاح ضد فيروس نقص المناعة البشرية منذ 36 عامًا حتى الآن، واستغرق لقاح شلل الأطفال 7 أعوام لإنتاجه ما بين عامي 1948 و1955، فيما احتاج لقاح الحصبة إلى 9 أعوام بين 1954 و1963، أما لقاح الجدري فقد احتاج 34 عاماً من 1954 إلى 1988.
وحسب الخبراء، فإن لقاحات فيروس كورونا تتحرك بشكل أسرع بكثير من سابقاتها، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن الحكومات تتحمل المخاطر المالية لتطوير لقاح قد لا ينفع، وقد استثمرت الحكومة الأميركية نحو 9.5 مليارات دولار لتسريع التطوير وبدء التصنيع قبل انتهاء البحث.
وأعطى التطور العلمي والتقني الباحثين أدوات جديدة لمحاولة مكافحة فيروس كورونا، إذ يمكن للعلماء نقل المواد الجينية إلى خلايا الجسم، وتحويلها إلى مصانع للقاحات، وتخطي الخطوات التي تستغرق وقتًا طويلاً مثل تصنيع البروتينات الفيروسية، أو زراعة الفيروس بأكمله في بيض الدجاج.
ويشير باحثون إلى أن اللقاحات الخاصة بالفيروس تعمل عن طريق تعليم جهاز المناعة في الجسم التعرف على الفيروسات ومنعها، وتعمل كل فئة من تقنيات اللقاحات وفقًا لهذا المبدأ الأساسي، إذ تهدف اللقاحات إلى تنشيط الخلايا المساعدة في الجهاز المناعي، والمسؤولة عن اكتشاف وجود الفيروس، قبل أن يبدأ الجسم تكوين أجسام مضادة تمنع الفيروس من التكاثر، وإنتاج خلايا لتدمير الخلايا المصابة، وقد تنشّط بعض اللقاحات جزءا من هذه الاستجابة المناعية فقط.