أعلن تقرير للأمم المتحدة عن تبعات التغيّر المناخي، صدر هذا الأسبوع أنّ تزايد ظواهر الطقس الحادة التي تسبب ضحايا يسير بوتيرة أسرع من استعدادات العالم، محذراً من أنّ فجوة التكيّف ستستمر بالاتساع في ظل المعدلات الحالية لخطط التكيّف وتنفيذها.
وأصبح إيجاد وسائل للحدّ من تداعيات الاحترار المناخي أمراً ملحّاً، سواء من خلال الزراعة المستدامة أو المحاصيل المهندسة وراثياً لتعزيز الأمن الغذائي، أو عبر استعادة غابات المانغروف، أو بناء سدود بحرية لمواجهة ارتفاع مستوى المحيطات، أو من خلال إنشاء ممرات خضراء في المدن، أو اللجوء إلى نظام تكييف الهواء لتخفيف موجات الحر القاتلة.
ويدق تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ المؤلف من 3650 صفحة ناقوس الخطر حول فشل خطط وُضعت للتعامل مع التبعات المناخية، مطلقاً على هذه المسألة مصطلح "سوء التكيّف".
ويقول الأستاذ في جامعة "كلارك" إد كار، الذي تولى إدارة إعداد فصل من التقرير: "تبيّن لنا أنّ مشاريع التكيّف غير فاعلة في حالات كثيرة"، مشيراً إلى أنّ "بعضها جعل الأمور تسوء". على سبيل المثال، قد يساعد بناء سد لمنع الفيضانات في المدن في حماية منطقة صغيرة لفترة زمنية محدودة.
وتشرح فريدريكا أوتو من "إمبيريال كولدج لندن" أن "أي إجراء يؤدي إلى عواقب سلبية ويجعل الأمور أسوأ على المدى البعيد يندرج في إطار سوء التكيّف". وترى أنّ "الناس لا يدركون غالباً دور الخيارات السيئة في الكوارث، كبناء منازل في سهل فيضي مثلاً". تضيف أنّ "الاكتفاء بإلقاء اللوم على التغيّر المناخي يؤدي إلى سوء تكيّف".
وتنتج من التدابير المتخذة لمواجهة ظواهر التغير المناخي عواقب غير مقصودة في بعض الأحيان.
في هذا السياق، أعدّ الأستاذ المساعد في جامعة "ويست فلوريدا" اكوامي أوسو-داكو تحقيقاً عن عواقب إقامة جدران بحرية أمام قرية صيد صغيرة قرب مصب نهر فولتا في غانا لمنع تآكل الشواطئ الناجم عن العواصف وارتفاع منسوب المياه.
وأدى تشييد هذه الجدران البحرية إلى نتائج إيجابية، إذ عملت بشكل جيّد، لدرجة أنّ مطوّراً عقارياً مهماً استثمر الأرض بالتعاون مع الحكومة المحلية وبنى شاليهات فخمة. ويقول أوسو-داكو إنّ "الأشخاص الذين كانوا يعيشون هناك طُردوا من الأرض"، واصفاً النتيجة بأنّها مثال على "انتهازية سوء التكيف".
واعتبر تقرير الأمم المتحدة أنّ الأمر لم ينطوِ على ظلم فحسب، بل قد لا يعطي أيضاً النتيجة المستدامة المتوخاة. وأضاف أنّ الجدران البحرية والسدود وبوابات التحكم في الفيضانات "توجِد ارتهاناً طويل الأمد للهشاشة والمخاطر التي يصعب تغييرها وتتطلب كلفة كبيرة".
وفي وقت يمكن الإنشاءات ذات الهندسة الصلبة أن تحمي من الكوارث إلى حدّ معين، تحمل كذلك "وهماً بعدم وجود مخاطر". ويمثّل نقص البيانات مصدراً آخر لسوء التكيّف.
ويقول مؤسس مركز "أفريكا باور شيفت" محمد أدو إنّ "من الممكن التكيّف فقط مع الأمور التي تتوافر معرفة بها"، مضيفاً: "لا نعرف في أفريقيا مثلاً إلّا القليل، فكيف تنشئ أنظمة إنذار مبكرة لظواهر الطقس الحادة من دون بيانات؟".
ومع أن البنى التحتية الحديثة من طرقات ومبانٍ وأنظمة صرف صحي يفترض أن تخدم أهداف التنمية والتكيف على حد سواء، قد لا تتناسب إنشاءات كثيرة مع عالم ترتفع درجة حرارته 1,5 درجة مئوية، ويمكن أن يصل هذا الارتفاع إلى درجتين أو ثلاث درجات مئوية مقارنةً بمستويات عصر ما قبل الصناعة، بحسب الخبراء.
وارتفع متوسط درجة حرارة سطح الأرض حتى الآن 1,1 درجة مئوية مقارنة بما كانت عليه خلال هذا العصر.
وقال باتريك فيركوين من المركز العالمي للتكيف: "يحدث سوء التكيف عند محاولة حل مشكلة ما وينتهي الأمر بالتسبب في مشكلة أخرى".
وبيّنت دراسة أجريت على أكثر من 300 مبادرة للتعامل مع التغير المناخي ذُكرت في التقرير الأممي، أنّ ثلث هذه المبادرات قد تحمل عواقب غير مقصودة وسلبية.
وأظهر تحليل مفصّل لثلاثة مشاريع في كمبوديا لتعزيز الري وحماية الغابات وزراعة الأشجار أنها انطوت على "انتهاك حقوق المجتمعات المحلية وتدمير الموائل الحيوية". ولاحظ التقرير "تجاهل المانحين الدوليين والسلطات الوطنية على السواء" لاحتمال حدوث سوء تكيف.
وتتكرر أنماط أخرى من سوء التكيف، خصوصاً في جنوب الكرة الأرضية.
وتُروى ثمانون في المائة من الأراضي المستخدمة لزراعة المحاصيل الغذائية بمياه الأمطار، وهي معرضة بالتالي لموجات الجفاف التي تفاقمت بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
ويمثّل الريّ استجابة التكيف الأكثر شيوعاً للجفاف، لكنّ هذا الحلّ الحيوي المحتمل يمكن أن يسبب مشاكل تتعلق به.
ويمكن أن يؤدي استخراج المياه الجوفية للريّ إلى استنفاد طبقات المياه الجوفية، ما يجعل المياه غير مناسبة للاستهلاك البشري، ويفاقم ظروف الجفاف. أما بالنسبة إلى موجات الحر، فيمكن أن يمثّل اللجوء إلى تكييف الهواء حلّاً منقذاً للحياة، وخصوصاً في مناطق يُتوقع أن تشهد زيادة في ما يُطلق عليه أيام الحر القاتلة.
في هذا الإطار، قال التقرير: "على المستوى المجتمعي، فإنّ تكييف الهواء غير تكييفي، لأنه يتطلّب الكثير من الطاقة ويُقترن بانبعاثات الغازات، وخصوصاً في المدن ذات الكثافة السكانية العالية".
وتكييف الهواء باهظ الثمن كذلك، إذ وجدت دراسة أجريت في العاصمة الفيتنامية هانوي أنّ بعض الأشخاص لا يستخدمون مكيفات الهواء لأنّ تشغيلها مكلف جداً. ولم تولِ مفاوضات الأمم المتحدة في شأن المناخ التي انطلقت قبل ثلاثين عاماً اهتماماً بمسألة التكيّف بهدف الحدّ من انبعاثات الغازات الدفيئة.
لكنّ قمة كوب-26 التي انعقدت في غلاسكو الخريف الماضي ساعدت في استعادة التوازن، وأطلقت عملية مدّتها عامان لتحديد أهداف التكيّف وتوفير التمويل اللازم.
وقال أدو: "ينبغي النظر إلى شرم الشيخ على أنّه مؤتمر الأطراف للتكيّف"، في إشارة إلى الاجتماع المناخي المعتزم عقده نهاية العام الجاري في مصر. وسيمثّل تجنّب أنواع سوء التكيّف التي ركّزت عليها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي في تقريرها الهدف الرئيسي للعملية السياسية.
(فرانس برس)