يوم الأربعاء الماضي، زار رئيس الحركة الإسلامية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، الشيخ رائد صلاح، مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية، حيث يشتعل منذ ثلاثة أشهر ثأر عائلي بين عائلتَي العويوي والجعبري، وهما اثنتان من كبرى عائلات المدينة. وكان الخلاف قد تصاعد بين الجهتَين بطريقة عنيفة وُصفت بأنّها غريبة ومعيبة على مجتمع الخليل المتماسك، علماً أنّ كاميرات رصدت اشتباكاً مسلحاً بين العائلتَين وتدمير محال تجارية وإصابة نساء برصاص العائلتَين.
وقد استُقبل صلاح في مشهد بدا مبشّراً، بحسب أهالي مدينة الخليل، قبل أن يزور العائلتَين المتخاصمتَين ويجتمع بجهات رسمية في المدينة، وسط أمل في نجاح مبادرة الصلح بين العائلتَين، علماً أنّ الانفجار بينهما وقع مجدداً بالتزامن مع انعقاد المجلس المركزي الفلسطيني.
ويقول الشيخ رائد صلاح لـ"العربي الجديد" إنّ "الواجب يحتّم علينا الحفاظ على سلامة صفّنا الداخلي، لأنّ ذلك يعني إمكانية توفير الإرادة الجماعية وتحمّل أعباء الانتصار في ثوابتنا العروبية والاجتماعية، وبالأخصّ في مدينة الخليل. ويعني ذلك إمكانية الحفاظ على كلّ من الحرم الإبراهيمي وجامعة الخليل، والحفاظ على مسيرة المجتمع الفلسطيني في الخليل، كما هو واجب الصبر والصمود أمام تغوّل الاحتلال الإسرائيلي". يضيف صلاح: "لذا كان لا بدّ من مبادرة الإصلاح هذه، لتجنّب أيّ انحراف عن هذا المسار. وقد وجّهنا في خلال زيارتنا رسالتَين لكلا العائلتَين؛ الأولى للتحلّي بقيم التسامح والأخوّة والسلام والصفح، والثانية دعوة العائلتين إلى الالتزام بقرارات جاهة الصلح وهي من أبناء مدينة الخليل".
ويؤكّد صلاح أنّه لمس تجاوباً وصفه بـ"المبارك" من قبل العائلتَين حول الالتزام بالهدنة ومدّتها شهران بدأت قبل أيام قليلة. وحول الخطوات العملية التي تسير عليها مبادرة الإصلاح، يوضح صلاح "لقد أكدنا على العائلتَين ونتمنّى التزامهما بما تقوله جاهة الصلح بكلّ خطوة مقبلة، كون هذه الجاهة تعلم الحلّ الأمثل لرأب الصدع بين العائلتَين".
وثيقة شرف
ويتطلّع صلاح إلى صياغة وطرح وثيقة شرف في وقت لاحق، تلتزم بها عائلات الخليل، ويمتدّ الأمر إلى بقيّة مناطق الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948، وتهدف إلى إنهاء أيّ خلافات اجتماعية وعشائرية بين الفلسطينيين. ويشرح أنّ "ثمّة أموراً كثيرة أفادتني في زيارتي لمدينة الخليل، من بينها إمكانية صياغة وثيقة شرف تكون بمثابة مرجعية لحفظ السلم الأهلي، يعود إليها الأهالي في حال حصول خلاف بين عائلتَين في أيّ منطقة بالضفة الغربية أو الداخل المحتل".
وعلى خلفيّة غضب الفلسطينيين إزاء غياب دور السلطة في منع الفلتان الأمني في الخليل وأداء دور الضابطة القانونية، يطالب صلاح السلطة الفلسطينية بتفعيل دورها السيادي وكذلك القانوني في مدينة الخليل والضفة الغربية. ويشدّد: "ما أتمنّاه على السلطة هو أن تستثمر سيادتها، وأن تستثمر القانون في حفظ السلم الأهلي على امتداد المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية، لأنّ السلم الأهلي من الحقوق التي يتوجّب على الناس التمتّع بها في المجتمعات".
شعبية رائد صلاح في الإصلاح
وفي سياق متصل، يقول رئيس بلدية الخليل تيسير أبو سنينة لـ"العربي الجديد" إنّ "الشيخ رائد صلاح يتمتّع بشعبية واسعة في الضفة الغربية كما في الأراضي المحتلة عام 1948، وله شبكة علاقات واسعة في عموم فلسطين وتأثير كبير على الناس، وله كذلك تاريخه المشهود بالدفاع عن المقدّسات الدينية، سواء المسجد الأقصى أو الحرم الإبراهيمي". ويوضح أبو سنينة أنّه "حضر إلى الخليل باسم لجان إفشاء السلام المنبثقة عن لجنة المتابعة العربية العليا في المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل".
يضيف أبو سنينة، الذي رافق صلاح في جولته بالخليل، إنّ "رسالة الشيخ رائد صلاح للعائلتَين كانت مؤثّرة بقوّة، وقد تلقفتها العائلتان جيداً. ونحن أبناء مدينة الخليل سوف نبني على هذه الرسالة ونتابع هذا الصلح مع الشيخ رائد صلاح، ومع وجوه أخرى كالأب مانويل مسلّم وشخصيات من المقاومة الشعبية في العراقيب والنقب كذلك".
وحول ردود العائلتَين، يوضح أبو سنينة أنّهما "أبدتا قبولهما مبادرة الشيخ رائد صلاح وشخصيات أخرى، قائلتَين: نرجو أن نكون عند حسن ظنّك. لكنّ هذا الخلاف لا يُحلّ بجلسة واحدة، ولا بدّ من حوارات وجلسة ثانية وثالثة. ونحن نعلم أنّ الشيخ صلاح يتمتع بقبول عالٍ بين الناس ومحبة كبيرة في قلوبهم، لكنّ الأمر متّصل كذلك بخطوات رجال وكبار العشائر في الخليل الذين يعملون في السياق ذاته للإصلاح". ويتابع أبو سنينة: "لقد اختير محكّم من قبل إحدى العائلتَين بالإضافة إلى كفيل، ونرجو أن يسير الأمر لدى العائلة الثانية بالطريقة نفسها قريباً، فيما يتعلّق بالمحكّم والكفيل، خصوصاً في ظلّ انضباط العائلتَين والتزامهما حتى الآن باتفاقية الهدنة الأخيرة ومدّتها شهران".
طبيعة الخلاف
ويعود الخلاف بين عائلتَي الجعبري والعويوي في الخليل إلى ما قبل 16 عاماً، بحسب ما يروي مواطنون في الخليل، حينما قُتل أحد أبناء عائلة العويوي على يد آخر من عائلة الجعبري. حينها سُجن الشخص الذي يُعتقد بأنّه القاتل لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية، لكنّه خرج أخيراً ليتحرّك وازع الثأر لدى أهل القتيل من عائلة العويوي، فأقدم أحدهم على قتل المشتبه فيه من باب الثأر بالطريقة نفسها.
وعلى الرغم من حضور مفوّض من قبل الرئاسة الفلسطينية لمحاولة إصلاح الأمر وتثبيت هدنة مدّتها شهر بين العائلتَين، فقد اندلعت بينهما اشتباكات مسلحة، ثمّ انهارت هدنة أخرى. استمرّت الأحوال على هذه الشاكلة لمدّة ثلاثة أشهر، لم يبقَ في خلالها أيّ وجه فلسطيني معروف في الإصلاح العشائري إلا وحاول مدّ يده. ويأتي ذلك في ظلّ مخاوف حقيقية تتعاظم يومياً بأن تتحوّل الخليل من بوابة مواجهة تاريخية وعنيدة للاحتلال، إلى ساحة للثأر وتصفية خلافات عائلية، مع توجيه السلاح لتصفية الدم الفلسطيني بيد الفلسطيني.