تفشي الكوليرا.. تلوث مياه الشرب يقتل السوريين

13 سبتمبر 2022
سورية مصابة بالكوليرا تتلقى العلاج في حلب (فرانس برس)
+ الخط -

عاد مرض الكوليرا إلى سورية خلال الأسابيع الأخيرة، ويتخوف كثيرون من تحوله إلى وباء، والسبب الرئيسي يرجع إلى تلوث المياه، إذ يعاني غالبية السكّان من صعوبة الحصول على مياه الشرب النظيفة.

سجلت مناطق شمال شرق سورية الخاضعة لسيطرة "الإدارة الذاتية" ثلاث وفيات مؤكدة بالكوليرا، كما سجلت 15 إصابة في مناطق سيطرة النظام بمحافظة حلب، وسجلت إصابات أخرى في الريف الغربي لمحافظة دير الزور.

وتتفاقم المخاوف بسبب ضعف إمكانات القطاع الصحي المهدد بالانهيار الكامل حال تحول المرض إلى وباء، فالمستشفيات والمستوصفات القليلة العاملة أوضاعها سيئة، وتخلو مناطق كثيرة من المستشفيات، ومنها الريف الشرقي في محافظة دير الزور، والتي تضم منطقتي الباغوز وهجين، ومناطق عدة في ريف حلب.

وتعاني كثير من المناطق السورية من نقص المياه، وتلوثها، ومنها مدينة الرقة التي سجلت فيها الكثير من حالات التسمم بسبب المياه، وانتشار مرض السحايا بين الأطفال، ويعود ذلك لإهمال تعقيم المياه المأخوذة من نهر الفرات، كما سجل انتشار للأمراض المعوية في محافظة دير الزور، وفي الوقت الحالي تعد المياه الملوثة مصدراً رئيسياً لتفشي الكوليرا.

يقول الصيدلاني أنور الحجوان، من مدينة الرقة، إن "كافة المعطيات تدل على انتشار الكوليرا في المدينة وريفها، والمرض الذي اختفى في غالبية الدول ينتشر في المناطق التي لا تتوفر فيها مصادر مياه نظيفة وآمنة، ولا يتوفر فيها صرف صحي، وتنتشر المخلفات والقمامة في شوارعها، والرقة تشهد غياباً شبه تام لكل ذلك".

ويوضح الحجوان: "عندما ينتشر مرض مثل الكوليرا، فهذا دليل على أن هناك خللاً في مراحل تعقيم المياه. ومع غياب استخدام الكلور في التعقيم قد يتحول المرض إلى وباء. نسجل أعداداً كبيرة من المرضى، وهذا يمثل تهديداً مباشراً للقطاع الصحي الذي لن يمكنه استيعاب أعداد المرضى، ناهيك عن تردي الوضع الصحي في الرقة، ومثلها غالبية المناطق السورية، فالمراكز الصحية غير كافية، وهناك نقص فادح في الأدوية، وإذا تزايد عدد المصابين فسيكون هناك حاجة إلى استخدام محلول عن طريق الوريد، ولا أعتقد أننا قادرون على توفير ذلك، لذا يجب معالجة مسألة الصرف الصحي، وتوفير مصادر مياه نظيفة، فهذا موضوع أمن صحي ومجتمعي، وليس مقبولاً أن يتعرض المواطن للأمراض لمجرد شرب الماء من الصنبور، أو تناول المحاصيل الورقية التي تروى بمياه ملوثة".

وتشير مصادر محلية في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور إلى أن الأمراض المعوية شائعة بين السكّان، لكن قبل تأكيد وجود إصابات بالكوليرا لم يكن هناك تسليط للضوء عليها، ولا على أسبابها، وتؤكد المصادر الطبية تسجيل نحو 120 إصابة مؤكدة بالكوليرا، رغم محاولات التعتيم من قبل الإدارة الذاتية. 

من جهته، يؤكد الطبيب رأفت حمدان، من ريف حلب الشرقي، أن مناطق الأرياف التابعة للنظام، وكذلك أطراف المدن، هي مناطق مهملة، وتعاني من نقص حاد في المياه النظيفة، كما تعاني من إهمال شديد في خدمات النظافة، الأمر الذي ينذر بانتشار الأمراض المعدية والوبائية، مثل الكوليرا، ما لم تتدارك وزارة الصحة والجهات المعنية بالخدمات هذا الأمر.

كيف يمكن التعامل مع مضاعفات الإصابة بالكوليرا؟

وتتحدث الطبيبة زينة بهجت الحسن، عن كيفية انتشار المرض وأعراضه ومخاطره على المصابين، موضحة لـ"العربي الجديد"، أن الكوليرا مرض بكتيري أبرز أسباب انتشاره المياه الملوثة، والمسبب الرئيسي له جرثومة أو بكتيريا الكوليرا التي تتسبب في حدوث إسهال شديد، وجفاف كبير في الجسم. وتم القضاء على المرض في غالبية البلدان عن طريق الصرف الصحي الحديث، ومعالجة المياه الملوثة".

تبدأ أعراض الكوليرا وفق الحسن، حين تتموضع جرثومة الكوليرا في الجسم من 7 إلى 14 يوماً، ويؤدي وجود الجرثومة إلى ارتفاع السم الخاص بها، وإلى إفراز الجسم كمية كبيرة من المياه، تصل إلى لتر كامل كل ساعة، فيحدث إسهال شديد، وغالباً ما يشبه لون هذا الإسهال لون مياه الأرز، كما تحدث أعراض مرافقة منها الغثيان، والقيء.

وتتقاطع كافة الإشارات حول تفشي الكوليرا مع تلوث المياه، تقول الطبيبة الحسن، إن "عوامل الخطر تتمثل في وجود مرافق صحية رديئة، وري المزروعات بمياه الصرف الصحي، ومن المضاعفات انخفاض السكر في الدم، وانخفاض البوتاسيوم نتيجة إفرازه خارج الجسم، وقد تتهور حالة المصاب إلى الفشل الكلوي، أو هبوط في ضغط الدم"، لافتة إلى أن الأساس في الوقاية هو تكرار غسل اليدين بالماء والصابون، وشرب المياه النظيفة، سواء المغلية أو المعلبة، وتناول الطعام المطبوخ، وتجنب المأكولات النيئة، وتجنب الخضروات والفواكه المروية بمياه ملوثة".

وتشير إلى أن "لقاح الكوليرا الفموي يعطى عبر جرعتين، وهو يعطي مناعة كبيرة تجاه المرض، وأحياناً تكون مناعة شبه دائمة، كما أن هناك علاجات حديثة معتمدة على مضادات حيوية قوية، إضافة إلى طرق علاج أغلى عن طريق خلط السلفاميتاكسازول مع الستربتوميسين مع المضادات الحيوية الحديثة للقضاء على جراثيم الأمعاء الدقيقة".

الحصول على مياه الشرب مهمة صعبة في سورية (العربي الجديد)
الحصول على مياه الشرب مهمة صعبة في معظم مناطق سورية (العربي الجديد)

ويقول المدير الطبي لمستشفى "الشهيد محمد وسيم معاز" بريف حلب، رضوان الشردوب، لـ"العربي الجديد"، إنّ "أولى خطوات منع تفشي الكوليرا هي اللجوء إلى الطرق الوقائية، والعزل، والنظافة، واتباع التعليمات الطبية للوصول إلى مرحلة التطويق وضبط العدوى"، وينصح باستخدام مياه الشرب النظيفة، وحال عدم توفرها ينبغي التأكد من غلي الماء لمدة دقيقتين، وطهي الطعام بشكل جيد، وغسل اليدين بالماء والصابون قبل وبعد تناول الطعام، وغسل الأواني بشكل جيد، فضلاً عن ضرورة مراجعة أقرب مركز صحي لتلقي الخدمة الطبية في حال ظهور أعراض الإسهال الحاد.

وتحدثت إيفا أحمد علي، من الرئاسة المشتركة للهلال الأحمر الكردي، عن خطوات بدأت "الإدارة الذاتية" باتخاذها لمواجهة الكوليرا، بعد اجتماع عقدته هيئة الصحة أمس الأول الأحد، لافتة إلى أن هناك إطلاعاً على مناطق تفشي المرض، وبداية سيقوم الهلال الأحمر الكردي بنشر الوعي عن طريق المثقفين الصحيين، وعن طريق جلسات توعية، وستبدأ فرق مسؤولة بتحليل عينات المياه قبل القيام بتعقيمها إن لزم الأمر، كما أن هناك تنسيقاً مع منظمة "أطباء بلا حدود" لتجهيز مستشفى بهدف احتواء المرض. 

وأكدت مصادر طبية لـ"العربي الجديد" أنّ محافظة الرقة سجلت إصابات في كل من مدن الرقة، والسحلبية، والمنصورة، إضافة إلى عدة بلدات في ريف دير الزور الغربي، كما توجد إصابات في مناطق ريف دير الزور الشرقي بمنطقة هجين، ونظرا لضعف الإمكانيات لم يتم الكشف عنها، وأوضحت المصادر أن اللقاحات الفموية ضد الكوليرا شبه معدومة منذ نحو 10 سنوات، وتقوم "الإدارة الذاتية" في الوقت الحالي بتجهيز نقاط لعلاج المصابين، منها مستشفى الكسرة في ريف دير الزور الغربي، ومبنى العيادات الشاملة في مدينة الرقة. 

وأوضحت المصادر أن "الإدارة الذاتية" ترفض الإدلاء بأية تفاصيل حول أعداد المصابين في مناطق سيطرتها، وتواصل التعتيم الإعلامي على القضية، رغم أن عدد الإصابات في المنطقة يتجاوز 120 إصابة. 

وأمس الأول الأحد، زار وفد من هيئة الصحة في "الإدارة الذاتية"، مستشفى الكسرة، وعدداً من المراكز الصحية في الريف الغربي لدير الزور، لمتابعة حالات الإصابة بمرض الكوليرا، وأكد الرئيس المشترك لهيئة الصحة، جوان مصطفى، أن الجولة استهدفت المراكز الصحية التي استقبلت حالات إصابة، أو حالات يشتبه في إصابتها بالكوليرا، وقيم أوضاع المراكز الصحية بكونها جيدة مقارنة بمستشفى الكسرة الذي استقبل الكثير من الحالات، موضحاً أن المرضى المقيمون يتلقون العلاج، ومعظمهم في حالة مستقرة.

وفي مناطق سيطرة النظام، أكدت وزارة الصحة في بيان، صدر يوم الأحد، تسجيل 15 إصابة، وأن المرضى قيد العلاج، مبينة أن "غالبية الإصابات كان سبب إصابتها مياه الصرف الصحي، إضافة إلى عينة إيجابية في معمل لصنع مكعبات الثلج، وتم إغلاقه على الفور".

وأوضحت الوزارة أنها تقوم على مدار الساعة بالترصد الوبائي للمرض، مع تأكيد أن العلاج متوفر بكافة أشكاله، وتم تزويد المستشفيات بمخزون إضافي من العلاج تحسباً لأي زيادة في أعداد الإصابات التي ما زالت محدودة، حسب قول البيان.

المساهمون