كشف تقرير صادر عن الجبهة المصرية لحقوق الإنسان أنّ نظام السجون المصري أظهر عجزه الكامل عن التعامل مع وباء كورونا داخل السجون وعدم اكتراثه لحماية حياة المحتجزين في ظلّ انتشار وباء عالمي.
وفي تقرير بعنوان "مُوت وأنا هتحمل مسؤوليتك" حول أوضاع الاحتجاز والرعاية الصحية داخل ستة سجون مصرية أثناء تفشي وباء كورونا واستجابة إدارات تلك السجون لتفشي الفيروس، أكّدت الجبهة أنّ الأمر لم يقتصر على بداية فيروس كورونا فقط، فأوضاع أماكن الاحتجاز في السجون المصرية بشكل عام غير آدمية وفقيرة لدرجة تجعل السجون عاجزة عن التعامل مع أي أزمة صحية، بل إنّ أوضاع الاحتجاز ذاتها تتسبّب بمشاكل صحية طويلة الأمد للمحتجزين.
"أصبح السجن في حدّ ذاته يلحق الضرر بالمحتجزين، فالطعام كمياته قليلة وجودته سيئة لدرجة قد تتسبّب للكثيرين بالأمراض، ومياه الشرب ملوثة وتصيب المحتجزين بأمراض في الكلى، ويُحرم كثير من المحتجزين من حقهم في التريض ساعة على الأقل يومياً لممارسة الرياضة والتعرّض لضوء الشمس، ويحدث أنه يمنع محتجزون من التريض ويجبرون على عدم الخروج من زنازينهم لأيام وأسابيع"، حسب التقرير.
وكان واحد من الإجراءات القليلة التي اتخذتها وزارة الداخلية للتصدي للفيروس، حسب ما رصدته الجبهة، هو منع المحتجزين التام أو شبه التام من التواصل مع أهاليهم ومحاميهم بحجة حمايتهم من الوباء. ومُنع المحتجزون من تلقي زيارات أهلهم لشهور، ولم توفر لهم إمكانية التواصل معهم هاتفياً، وشهدوا تعنتاً وتضييقاً شديداً في إرسال وتلقي الرسائل من أهاليهم الذين بُلّغوا في أغلب الأحيان بالمنع التام أو بالسماح مرة والمنع مرات. كما لم تسمح السجون للمحتجزين بتلقي زيارات من محاميهم، ما أدى لشبه انقطاع تام بين المحتجزين ومحاميهم منذ مارس/آذار 2020، وذلك بعد تعليق جلسات النيابة كإجراء احترازي ضد انتشار كورونا، ومنع غالبية المحتجزين من حضور جلسات غرفة المشورة بحجج أمنية، ووضع الأعداد القليلة التي تحضر في قفص زجاجي حيث لا يمكنهم الحديث أو التواصل مع المحامي.
وكان وقف الزيارات وتعليق جلسات النيابة، حسب التقرير، هما القراران الوحيدان الصادران عن وزارة الداخلية لمواجهة انتشار فيروس كورونا في السجون، إلّا أنهما في حقيقة الأمر لم يكونا سوى وسيلة لانتهاك حق المحتجزين في التواصل مع العالم الخارجي والتعتيم على أوضاع كورونا في السجون وإبقائهم قيد الحبس الاحتياطي المطول دون مراجعة قضائية حقيقية أو تمثيل قانوني فعّال.
ووجد التقرير أنّ نظام السجون المصرية عاجز أيضا عن توفير الحق في الرعاية الصحية للمحتجزين، حيث إنه لا يوجد نظام متماسك قادر على الاستجابة لحاجات المحتجزين الطبية في وقت معقول. إذ لا تتوافر بالسجون العديد من التخصصات الطبية ولا يوجد أطباء مقيمون بجميع التخصّصات، كما أنّ أطباء السجون ليسوا مدنيين وإنما هم أطباء تابعون لوزارة الداخلية وخبرتهم الطبية محدودة، وأغلبهم غير قادر على التشخيص، كما أنّ السجون عاجزة بشكل شبه تام عن الاستجابة لحالات الطوارئ لعدم وجود أطباء طوارئ بالسجون ولتعقيد إجراءات النقل لمستشفى خارجي. كما لا توجد في السجون أدوية كافية ويتم التعنت في دخول الأدوية خلال الزيارات، ومستوى الرعاية الصحية النفسية فيها متدن للغاية، حيث يعتمد السجن التعامل من خلال المنومات فقط مع الحالات التي تتطلب رعاية نفسية عاجلة، ولا يوجد اهتمام بتوفير مستوى جيد من الصحة النفسية على اعتبار أنها رفاهية، وقد يصل الأمر في أحيان كثيرة إلى حرمان المحتجزين من أدويتهم النفسية كوسيلة للتعنت.
علاوة على كل ذلك، يتعامل أطباء السجون مع المحتجزين بشكل غير إنساني ومهين، ويصل الأمر في بعض الأحيان إلى اعتداء الأطباء على المرضى بالضرب والسبّ. ويخلق السجن بيئة تهدف لتخويف المحتجزين من طلب العلاج، بعقابهم على ما يسمى بـ"التمارض"، وهي تهمة قد توجّه لأي مريض يعاني من مشاكل صحية لا تعتبرها إدارة السجن ذات طابع خطير. وعقاب "التمارض" هو أحياناً الضرب والإهانة أو التحويل للحبس الانفرادي، والأدهى أنه قد يعاقب المحتجز بمنعه من العرض على العيادة ومنع تلقيه الرعاية الصحية في المستقبل إذا ما اتهم بالتمارض.
ويتضح أنّ الإهمال الطبي ظاهرة منتشرة في جميع السجون وتؤدي أحياناً لوفاة محتجزين نتيجة عدم الاستجابة السريعة لحالاتهم الطارئة، وتؤدي أحياناً أخرى لمضاعفات صحية خطيرة. وقد أظهر التقرير أنّ أحد أسباب الإهمال الطبي في السجون هو نظام غلق العنابر بالمفاتيح في المساء وعدم ترك المفتاح مع شاويش العنبر، إلى جانب عدم اكتراث الشاويش والأطباء في أحيان كثيرة وعدم محاسبتهم على حالات الإهمال الطبي، وكذلك تعقيد إجراءات التحويل لمستشفى خارجي وضرورة الحصول على موافقة الأمن الوطني في ما يتعلق بقرارات طبية.
أظهر التقرير أيضاً أنّ السجون لم تلتزم بتوصيات منظمة الصحة العالمية إزاء الإجراءات الوقائية في أماكن الاحتجاز، فعلى عكس ادعاء وزارة الداخلية، لم تعتمد سياسة متكاملة وفعّالة لتعقيم السجون، حيث لم يتم تعقيم المرافق بشكل صحيح واكتفت إدارات السجون باستخدام المياه والكلور، ولم تعقم المرافق بشكل منتظم أو مستدام، كما اقتصر التعقيم في أغلب الأحيان على المرافق التي يستعملها العاملون بالسجن، لكن لم يتم تعقيم الزنازين وفي أحيان كثيرة لم تعقم حتى العيادات.
كما لم تلتزم إدارات السجون بتوزيع الكمامات على المحتجزين، بل كانت تسرق الكمامات التي يحضرها الأهالي لذويهم خلال الزيارات، ولم يرتدِ موظفو السجن الكمامات في أغلب الأحيان سوى عند حصول زيارات خارجية، وبينما خصصت بعض السجون غرفاً لعزل السجناء الجدد، استخدمت كثير من السجون غرف الإيراد كغرف عزل، وفي كل الأحوال كان يتم خلط السجناء الجدد بعضهم ببعض ولم يتم عزلهم لمدة أسبوعين المطلوبة، وبطبيعة الحال تعاني سجون مصر من تكدس غير مسبوق استحال معه تنفيذ إجراءات التباعد الاجتماعي، ما خلق بيئة خصبة لانتشار فيروس كورونا. علاوة على ذلك، لم تعتمد وزارة الداخلية سياسة واضحة وشفافة تخصّ توفير لقاح فيروس كورونا للمحتجزين.
أخيراً، وجد التقرير أنه حدثت حالات تفش عديدة لوباء كورونا في عدد من السجون المصرية، وفشلت السجون فشلاً تاماً في تنفيذ إجراءات الحدّ من انتشاره، فلم تتخذ السجون أي إجراءات لمعرفة الإصابات إلا في أوقات نادرة في بداية عام 2020، ولم تنفذ إجراءات تتبع المخالطين أو إجراء مسحات للتأكد من الإصابات، ووصل الأمر في أحيان إلى أن شاغلي عنابر بأكملها كانوا مصابين بالفيروس نتيجة عدم تنفيذ تلك الإجراءات.
وبينما وفرت بعض السجون غرف عزل في البداية، لم تلتزم غرف العزل تلك بفصل المشتبه بإصابتهم عن المصابين المحتملين كما الذين تمّ تأكيد إصابتهم، ما زاد من سرعة انتشار الفيروس. وكان المحتجزون في غرف العزل يعانون من أوضاع احتجاز غير آدمية، حيث لم تكن غرف العزل معدّة بشكل جيد لتلبية احتياجات المرضى، وأحياناً لم يكن يتم عزل المشتبه بإصابتهم في غرف حبس انفرادية، كما لم يخصّص أطباء أو اختصاصيون لمتابعة المصابين المعزولين وتطور أعراضهم، ولم تقدم لهم أدوية في أغلب الأحيان، حسب التقرير.