لا تتساهل وزارة التربية التونسية مع التلاميذ المتّهمين بالغش، فهي تعزلهم، بحسب ما يُوصَّف الوضع، وتبعدهم عن التعليم وتمنعهم من الامتحانات. لكنّ الجهات القضائية المعنيّة ترفض قرارات الوزارة في بعض الأحيان.
يبحث تلاميذ تونسيون عن تسويات مع القضاء تسمح بحصولهم على أحكام في شأن منحهم شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) وتجاوزهم عراقيل تدابير مدرسية اتخذت ضدهم بذريعة محاولاتهم الغش في الامتحانات الوطنية، أو بسبب ارتكابهم مخالفات تأديبية. ويتزامن ذلك مع انتقاد ناشطين ومهتمين بالشأن التربوي في البلاد "استمرار وزارة التربية في تطبيق سلم عقوبات تجاوزه الزمن، ويحرم التلاميذ من حق التعليم، ويؤثر في مسارهم الدراسي". ويُطالب أولياء أمور تلاميذ، وناشطون تربويون، بتنفيذ مراجعة شاملة لمنظومة التأديب المدرسي سواء تلك المتخذة لمعاقبة حالات الغش في الامتحانات، أو لأسباب أخرى، وجعلها أكثر ملاءمة للواقع الجديد والتطورات الاجتماعية التي تؤثر في سلوك التلاميذ.
وأثار الناشطون التربويون قضية العقوبات المدرسية إثر إصدار إدارة معهد في محافظة الكاف شمال غربي تونس قراراً بعزل تلميذة عن التعليم قبل أسابيع قليلة من تقدمها لامتحانات نيل شهادة البكالوريا، بعدما اتهمت مدير المعهد بالتحرش بها. وعرض هؤلاء الناشطون لحالات عزل مماثلة تعرض لها تلاميذ في السنوات النهائية من المرحلة الثانوية، والتي تسببت في إنهاء مسيرتهم الدراسية وحرمتهم من مواصلة التعليم، وصولاً إلى إحالة بعضهم إلى الشارع، وتوجهت أسر البعض نحو القضاء لمحاولة إبطال قرارات الطرد. كذلك، تداول الناشطون حالات متعددة شهدت معاقبة تلاميذ عبر منعهم لمدة خمس سنوات من التقدم لامتحانات شهادة البكالوريا، بحجة الاشتباه في ممارستهم الغش. وطالب الناشطون الرئيس قيس سعيد بالتدخل لصالح التلاميذ، وإنقاذ مستقبلهم الدراسي.
وفي حديثها لـ "العربي الجديد"، أفادت هند، وهي والدة تلميذ عزلته وزارة التربية العام الماضي بحجة تعمده الغش في امتحانات البكالوريا، أنّها حصلت على حكم قضائي من المحكمة الإدارية يطالب بإبطال القرار، استناداً إلى تقديم فريق الدفاع عن ولدها مجموعة أدلة تثبت عدم استخدامه الهاتف الخليوي خلال أحد الاختبارات. وأشارت هند إلى أنّ ابنها "خسر سنة دراسية كاملة كي يحصل على الحكم القضائي، وسيتقدم للامتحان مجدداً هذه السنة، لكنّه بالتأكيد لم يتجاوز الصدمة النفسية لما حصل، وتأثيرها على سلوكه نتيجة شعوره بالظلم". واعتبرت هند أنّ التلاميذ "هم الحلقة الأضعف في المنظومة التربوية، وضحايا لقرارات تربوية تعسفية لا تحترم حقوقهم في التعلّم. لذا نطالب بإعادة النظر في منظومة العقوبات المدرسية، والبحث عن أخرى تراعي المصلحة الأفضل للتلاميذ، وتحميهم من التسرب والفشل الاجتماعي الذي قد ينتج عنها، ويؤدي إلى انحرافات سلوكية خطرة".
من جهته، طالب المحامي سامي الجربي، الذي ربح دعوى قضائية ضد وزارة التربية، العام الماضي، لصالح تلميذة جرى حرمانها من التقدم لامتحانات البكالوريا لمدة خمس سنوات، في حديثه لـ "العربي الجديد" الوزارة، بمراجعة قراراتها الخاصة بالعقوبات التي تفرضها على تلاميذ تشتبه في استعمالهم وسائل تكنولوجية بهدف الغش. وقال: "عقوبات العزل المدرسي تحرم التلاميذ من حقوقهم الدستورية في التعلّم، تنفيذاً للمادة 49 من الدستور الخاصة بالحقوق والحريات، علماً أنّه يحق للتلاميذ المطالبة بتعويض الضرر".
يذكر أنّ الدستور الصادر في يونيو/ حزيران عام 1959 ينص على إلزامية التعليم حتى سن السادسة عشرة. لكنّ آلاف العائلات التونسيّة تضطر إلى إجبار أبنائها على ترك الدراسة، قبل هذا السنّ، بسبب عدم قدرتها على تأمين مصاريف الدراسة، رغم أنّ التعليم مجاني.
وطالب عضو البرلمان ياسين العياري، في حديث لـ"العربي الجديد" بأن يبذل المتخصصون التربويون والمشرعون مجهوداً مشتركاً لإحداث تغيير شامل في منظومة العقوبات المدرسية خلال المرحلة الثانوية، معتبراً أن "عقوبات العزل والإنذار عفا عليها الزمن، وأصبحت بالية". وأضاف: "العقوبات التي ما زالت وزارة التربية تطبقها صيغت بعقلية رادعة، وليست عقلية تربوية، ما زاد حالات التسرب الدراسي والانقطاع المبكر عن الدراسة". وأشار إلى أنّ "قائمة أمل وعمل المستقلة التي ينتمي إليها في البرلمان مستعدة للتعاون مع خبراء في التربية وعلم النفس لتقديم اقتراح قانون يقدّم بدائل عصرية للعقوبات المطبقة، تعزز أساليب فرض النظام والانضباط من دون أن تدفع التلاميذ لمغادرة مقاعد الدراسة".
في المقابل، أكد مدير قسم الحياة المدرسية، في وزارة التربية، مراد العزابي، أنّ الوزارة تنصف التلاميذ، وتبحث عن مصلحتهم الفضلى من خلال الاستجابة لكلّ قرارات القضاء الخاصة بإلغاء العقوبات التي تتخذها مجالس التربية في حقهم. وقال لـ "العربي الجديد": "سمحت الوزارة هذه السنة لـ51 تلميذاً صدرت في حقهم قرارات عزل بسبب الغش، بالتقدم لامتحانات البكالوريا، بعدما ألغت المحكمة الإدارية العقوبات بحقهم، ما يعني أنّها تستجيب آلياً لكلّ القرارات التي يصدرها القضاء لمصلحة التلاميذ، وتعيد دمجهم في النظام التعليمي، لكنّها لا تستطيع في أيّ حال من الأحول أن تحلّ بدلاً من أولياء الأمور أو التلاميذ إذا تخلوا عن حقهم في رفع دعاوى لإبطال العقوبات المدرسية".