تتسبّب أزمة المحروقات في لبنان في اختفاء هذه المواد وارتفاع أسعارها إن توفّرت. فتزيد تكلفة المواصلات، ما يؤثّر سلباً على تلاميذ المرحلة الثانوية في مخيّم برج الشمالي للاجئين الفلسطينيين.
انعكست الأزمة الاقتصادية في لبنان بشكل كبير على حياة اللاجئين الفلسطينيين فيه، وأثّرت سلباً على كلّ القطاعات التي تعاني من مشكلات في الأساس، منها قطاع التعليم. وكان وزير التربية والتعليم العالي السابق، طارق المجذوب، قد أعلن أخيراً، قبل تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، أنّ التعليم سوف يكون حضورياً لأربعة أيام، حرصاً منه على العام الدراسي 2021-2022، بعدما كان قد تأرجح في العام الماضي ما بين تعليم حضوري وآخر عن بُعد على خلفية أزمة كورونا. وبناءً على قرار المجذوب، فإنّ مدارس "أونروا" (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) سوف تفتح أبوابها لاستقبال تلاميذها. لكنّ هذه العودة إلى المدرسة تعتريها صعوبات بالنسبة إلى تلاميذ المرحلة الثانوية الذين يعيشون في مخيّم برج الشمالي بقضاء صور جنوبي لبنان. فلا مدرسة ثانوية في المخيّم، بالتالي هم مضطرون إلى الالتحاق بمدرسة "الأقصى" في مخيّم الرشيدية في القضاء نفسه، الأمر الذي سوف يرتّب عليهم تكاليف إضافية لتأمين نقلهم.
مروان إبراهيم، ناشط فلسطيني وعضو في اللجنة الأهلية لتلاميذ الصفوف الثانوية، وهو يتحدّر من قرية الناعمة في قضاء صفد بفلسطين المحتلة ويقيم اليوم في مخيّم برج الشمالي، يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأهل عموماً لن يتمكّنوا من تحمّل تكاليف المواصلات، لذلك من حقّ التلاميذ أن تؤمَّن لهم صفوف ثانوية في برج الشمالي حيث يقيمون"، مؤكداً أنّ "عدم إنشاء صفوف ثانوية في المخيّم سوف يتسبب في عدم التحاق كثيرين بالمدرسة، وسوف يُحكم على هؤلاء بالانتهاء في الشارع". ويسأل إبراهيم: "لماذا يُلزَم تلاميذ مخيّم برج الشمالي بالالتحاق حصرياً بثانوية الأقصى في مخيّم الرشيدية، وبدفع النفقات المترتبة على هذا الأمر؟ يُضاف إلى ذلك هدر الوقت الناجم عن ذلك التنقّل والذي يُقدَّر بنحو ثلاث ساعات يومياً، علماً أنّ من شأن ذلك أن يحرمهم من الحصول على قسط من الراحة وتناول وجبة غداء وغير ذلك". يضيف إبراهيم أنّه "يُفترض استثمار الوقت والجهد والمال في دعم مستوى التلميذ، من خلال دروس خصوصية من شأنها مساعدته على تحسين أدائه الدراسي".
ويتابع إبراهيم أنّ "تلاميذ برج الشمالي يُلزَمون بالذهاب إلى ثانوية الأقصى، على الرغم من توفّر غرف صفوف شاغرة في ثانوية دير ياسين في مخيّم البصّ (في قضاء صور كذلك) الأقرب إلى مخيّم برج الشمالي، مع العلم أنّه لا يُسمح لتلميذ ما بالانتقال من ثانوية الأقصى إلى ثانوية دير ياسين إلا بموافقة من مديرة التعليم في المنطقة، أو من خلال وساطة تخوّله ذلك". ويوضح إبراهيم: "لدينا صفوف شاغرة في مدارس مخيّم برج الشمالي تخوّل إدارة أونروا استثمارها للصفوف الثانوية، خصوصاً في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة". ويذكر إبراهيم: "تناولتُ هذا الموضوع مطوّلاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كذلك قمنا بأنشطة عديدة في هذا الإطار. وأجدد دعوتي بمطالبة إدارة الأونروا بالتخلّص من تبعات هذا الإهمال والتخفيف عن نفسها وعن التلاميذ والأهل كذلك".
من جهته، يقول محمود الجمعة، وهو من سكان مخيّم برج الشمالي وعضو بالمجلس البلدي لبلدية البرج الشمالي وكذلك عضو لجنة أهالي تلاميذ المرحلة الثانوية في المخيّم، لـ"العربي الجديد"، إنّ "هذه القضية ليست حديثة العهد بل هي مزمنة، وأونروا لا تفي بوعودها في هذا المجال، في الوقت الذي يحتاج فيه تلاميذ المخيّم إلى مدرسة ثانوية". ويشرح الجمعة أنّ "عدد تلاميذ المرحلة الثانوية يبلغ هنا نحو 400 تلميذ يُضطرون بمعظمهم إلى التوجّه إلى مخيّم الرشيدية، فيما قسم صغير منهم يلجأون إلى الوساطة فيتابعون تعليمهم في مدرسة دير ياسين بمخيّم البصّ". ويتابع الجمعة أنّه "منذ أشهر، قبل انطلاق العام الدراسي، بدأت سلسلة مطالبات بتوفير مدرسة ثانوية في المخيّم، للتخفيف من أعباء النقل التي من شأنها أن تلحق الأذى بعائلات كثيرة، الأمر الذي سوف يؤدّي إلى حرمان تلاميذ كثر من المدرسة".
وكانت دائرة وكالة الغوث في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في لبنان قد أصدرت بياناً دعت فيه إلى إنقاذ مستقبل تلاميذ الثانوية في لبنان، من خلال إنشاء مدارس لهم وتوفير تكاليف المواصلات، مشيرة إلى أنّ مخيّم برج الشمالي الذي يقع إلى الشرق من مدينة صور الجنوبية، يختصر مشكلة كلّ المخيّمات وتلاميذها الذين ينظرون بقلق إلى بدء العام الدراسي الجديد، من دون أن تتوفّر أدنى مقوّمات الاستمرار لدى هؤلاء ولدى أهلهم، خصوصاً بعد قرار المؤسسات التربوية اللبنانية إطلاق العام الدراسي الجديد حضورياً. أضافت الدائرة أنّ ذلك يعني بروز مشكلات لم تكن في الحسبان، لا سيّما أنّ التعليم في العامَين الماضيَين كان عن بُعد ولم تكن ثمّة مشكلة في تكاليف النقل للتلاميذ والمدرّسين على حدّ سواء.
وتابعت الدائرة أنّ ثمّة ثلاث مدارس ثانوية في منطقة لبنان الجنوبي هي "بيسان" في مخيّم عين الحلوة في مدينة صيدا، و"الأقصى" في مخيّم الرشيدية، و"دير ياسين" في مخيّم البصّ، فيما مخيّم برج الشمالي الذي يتخطّى عدد سكانه 24 ألف نسمة فما زال يعاني من غياب مدرسة ثانوية. ورأت الدائرة أنّ اعتماد وكالة أونروا مدرسة ثانوية في مخيّم برج الشمالي لن يكلفها الكثير، خصوصاً أنّها أنشأت قبل ستّة أعوام مبنى بالقرب من مدرسة "جباليا" فيه وهو ما زال غير مستخدم، بالإضافة إلى توفّر طبقتَين شاغرتَين في مدرستَي "جباليا" و"صرفند" يمكن استخدامهما لهذه الغاية، الأمر الذي يوفّر على وكالة أونروا تكلفة بناء جديد أو استئجار أرض أو غير ذلك من نفقات. وقد وضعت دائرة وكالة الغوث في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين هذه المشكلة أمام وكالة أونروا وأمام الفصائل الفلسطينية، داعية إلى تبنّي هذا المطلب الذي لا يتعلق فقط بتلاميذ مخيّم برج الشمالي، بل بكلّ الفلسطينيين في لبنان من تلاميذ المرحلة الثانوية وطلاب الجامعات، إذ إنّ عدم حلّ هذه المشكلة يعني أنّ مئات في أكثر من مخيّم سوف يُضطرون إلى مغادرة مقاعد الدراسة.