استمع إلى الملخص
- **الضغوط العائلية والاجتماعية:** تشعر ياو لين بضغط شديد للزواج وتفكر في الهجرة بسبب القيود الاجتماعية والتمييز في أماكن العمل. العديد من النساء في الثلاثينيات يفكرن في مغادرة الصين لنفس الأسباب.
- **الإحصائيات والتوجهات:** واحدة من كل خمس نساء بين 25 و29 سنة غير متزوجة. عمليات البحث عن "هجرة" زادت بشكل كبير، مما يعكس رغبة النساء في مغادرة البلاد. الصين تواجه معدلات زواج وإنجاب منخفضة، رغم دعوات الرئيس الصيني لتنمية ثقافة جديدة للزواج والإنجاب.
تعمل الصينية جيه ياو لين، وهي عزباء في منتصف الثلاثينيات، بمصنع لملابس الأطفال في مدينة كوانجو (جنوب)، رغم أنها تحمل شهادة عليا في مجال البرمجة. وهي تتحدث عن رفض مجتمعي لكونها عزباء، أو "شنغ نيو"، وهو مصطلح يعني باللغة الصينية "بقايا النساء"، ويصف الحالة الاجتماعية للفتيات غير المتزوجات اللواتي تجاوزت أعمارهن 27 سنة.
تقول ياو لين لـ "العربي الجديد": "بعد انتهاء دراستي الجامعية، عملت سنوات عدة في مجال تخصصي، لكن مع تقدمي في العمر، قررت الشركة الاستغناء عن خدماتي لتوظيف خريجين جدد براتب أقل. حاولت العثور على وظيفة جديدة، وكنت قد بلغت الثلاثين، فواجهت صعوبات، فمعظم الشركات تفضل الشباب، وتميل للذكور الذين ليست لديهم التزامات أو مسؤوليات أسرية. المتزوجات يستنزفن الشركات بسبب إجازات الحمل والولادة والأمومة، وهي إجازات مدفوعة الأجر، الأمر الذي يدفع أرباب العمل إلى استبعادهن وتفضيل الذكور".
تضيف: "أشعر بضغط شديد من عائلتي التي تلح علي يومياً أن أجد شريكاً كي أخرج من دائرة العانسات اللواتي لا يلقين تقديراً في محيطهن الاجتماعي، وفي مكان عملي، ينظر الزملاء إلي على أنني امرأة فاشلة باعتبار أن الزواج أصبح معياراً لقياس النجاح والفشل في الحياة الاجتماعية. أصبحت أفكر في الهجرة، خصوصاً أنني أجيد اللغة الإنكليزية، وأعمل الآن على ادخار مبلغ من المال من أجل تغطية تكاليف السفر. العالم تجاوز مصطلح العنوسة، ويعيش الشباب حياتهم بحرية مطلقة، لكن الأمر ليس كذلك في الصين، حيث يجد المرء نفسه محاطاً بالعديد من القيود والضوابط الاجتماعية".
وتفكر عشرات آلاف النساء الثلاثينيات بصورة جدية في مغادرة الصين للدراسة أو العمل في الخارج، إذ لا يرى العديد منهن أي مستقبل في بلادهن، وهناك عوامل عدة تغذي قرارهن، بما في ذلك الوصمة المتجذرة كونهن نساء غير متزوجات، وبحسب المكتب الوطني للإحصاء، فإن واحدة من كل خمس نساء تتراوح أعمارهن بين 25 و29 سنة غير متزوجة، إضافة إلى آمال مهنية محطمة نتيجة تراجع اقتصاد الصين بعد وباء كورونا، وتشديد الضوابط السياسية التي سلبت المزيد من الحريات، والتمييز بين الجنسين في أماكن العمل.
وبحسب بيانات لتطبيق "ويتشات"، وصلت عمليات البحث عن كلمة هجرة إلى 33 مليوناً خلال العام الماضي، ما يمثل زيادة بنحو خمسة أضعاف عن العام السابق. يأتي ذلك في وقت تكافح الصين معدلات زواج وإنجاب منخفضة قياسية، ففي عام 2021، انخفض معدل المواليد الجدد إلى 7.5 مواليد لكل ألف شخص، وهو أدنى رقم منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949، ما يؤدي إلى انكماش عدد السكان.
ودعا الرئيس الصيني شي جين بينغ أخيراً إلى العمل بنشاط على تنمية ثقافة جديدة للزواج والإنجاب لإحياء التنمية الوطنية، لكن معظم النساء غير مقتنعات بذلك. وبحسب إحصائيات رسمية، بلغت نسبة العنوسة في الصين 76% خلال العام الماضي.
يقول الباحث في المعهد الصيني للعلوم النفسية والاجتماعية، دا بينغ مو، لـ "العربي الجديد"، إن وصم النساء غير المتزوجات بأنهن "بقايا النساء" مشكلة متجذرة في المجتمع الصيني بسبب الأعراف والتقاليد السائدة التي لا تتقبل فكرة بقاء المرأة في سن متقدمة خارج مؤسسة الزواج. ويضيف: "دور المرأة وفق المفهوم الصيني هو تربية الأولاد وتدبير الشؤون المنزلية في وقت انصراف الأزواج إلى العمل. حتى حين كانت المرأة شريكة في الجهد والعمل إلى جانب الرجل في خمسينيات القرن الماضي في حقبة تحول البلاد من الزراعة إلى الاقتصاد في عهد الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ، لم تتخل المرأة عن دورها كزوجة وأم، وظلت تكافح على جميع الجبهات".
يتابع: "بقاء المرأة من دون زواج آنذاك كان مرتبطاً بأسباب لها علاقة بقضايا أخلاقية مثل امتهان البغاء. لذلك، كان يُنظر إلى هؤلاء النساء نظرة دونية، واستمر ذلك حتى عصرنا هذا. لذا، تحرص عائلات عديدة على تزويج بناتها في وقت مبكر كي لا يفوتهن قطار الزواج، ويوصمن بـ (شنغ نيو)، وهو مصطلح يحمل دلالات سلبية".
ويوضح الباحث الصيني أن هذه العوامل دفعت بعض النساء إلى التفكير في الهجرة لتجنب نظرات الازدراء داخل المجتمع. لكنه يشدد على أن ذلك لا يمثل ظاهرة صحية، إذ إن التحول الذي شهدته البلاد في مجال صعود المرأة، ومنافستها الشديدة في سوق العمل، يفترض أن يزيد من تقديرها واحترامها، ويرجع عزوف النساء عن الزواج إلى الاستقلال المادي مقارنة بحقب سابقة كانت فيها المرأة تعتمد بشكل كامل على الرجل في تدبير شؤونها الحياتية.