عادت ظاهرة "توثيق السيارات" إلى محافظة شمال سيناء، شرقي مصر، عبر استخدام حجة مكافحة الإرهاب التي منحتها الأجهزة الأمنية لمئات المقاتلين من المجموعات القبلية المشاركة في الحرب ضد تنظيم ولاية سيناء الموالي لتنظيم داعش الإرهابي.
يعتبر "توثيق السيارات" نظاماً متعارفاً عليه في سيناء لحل الخلافات، ويتم خلاله سرقة السيارة بالإكراه تحت تهديد السلاح، بهدف الضغط على صاحبها، أو أحد أقربائه لإعادة حقوق مالية أو معنوية.
وكانت الظاهرة منتشرة إبان ثورة 25 يناير، إلا أنها تلاشت خلال السنوات الماضية، قبل أن تعاود الظهور مجدداً بعد الانتهاء من العمليات العسكرية التي نفذت لطرد تنظيم داعش الإرهابي من محافظة شمال سيناء خلال الأشهر الماضية، وبالتزامن مع حمل العشرات للسلاح بغطاء من قوات الجيش وأجهزة الاستخبارات المصرية.
يقول أحد شيوخ قبائل سيناء لـ"العربي الجديد"، إنه أصيب بالصدمة نتيجة عودة ظاهرة توثيق السيارات إلى الواجهة مجدداً خلال الأسابيع القليلة الماضية، للضغط في اتجاه حل مشاكل وقعت بين قبائل وعائلات في مدن رفح والعريش وبئر العبد، مضيفاً أنه "لولا تدخل أهل الخير لتطورت القضية، ووصلت إلى دم بين الأطراف. في نهاية المطاف، كل من سرقت سيارته بالإكراه مضطر لدفع المبلغ المالي المستحق من أجل إعادتها، حتى مع تدخل المشايخ والوجهاء، رغبةً في الحصول على سيارته بأقل الخسائر الممكنة".
وأوضح أنه على الرغم من وجود حق للذين يوثقون السيارات، إلا أنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال القبول بالحل بهذه الطريقة التي تعرض حياة وأموال الناس للخطر، وغالباً ما يكون صاحب السيارة ممن لا علاقة لهم بالمشكلة، فيضطر للدفع من أجل تخليص نفسه من الأزمة، خصوصاً في حال لم يكن المبلغ المالي المطلوب كبيراً.
وأشار الشيخ القبلي إلى أنه كان شاهداً على حل أزمة توثيق سيارة لأحد سكان مدينة العريش، خلال تواجده في قرية البرث جنوب رفح، بحجة اصطدامه بمركبة أخرى، ولم يتم الإفراج عنها إلا بدفع مبلغ مالي قدره 40 ألف جنيه مصري (نحو 2000 دولار أميركي)، وتم ذلك بعيداً عن أجهزة الأمن المصرية والتي لا تقوم بدورها في حال تقديم شكوى بما جرى، خصوصاً وأن السيارات الموثقة تودع في مناطق بعيدة عن أعين أجهزة الشرطة، وقد تتعرض للتدمير أو الحرق من قبل الأشخاص الذين سرقوها في حال علمهم بإبلاغ صاحبها أجهزة الأمن.
وبيّن أنه في بعض الحالات يتم تبادل السرقة بين الأطراف، فتصبح المشكلة أضعاف ما كانت عليه بسبب توثيق عدد من السيارات لدى كل طرف بهدف الضغط، والسعي لنيل الحقوق المطلوبة من وجهة نظر كل طرف، وقد تمتد عملية السرقة عدة أشهر إلى حين عودة الحقوق لأصحابها، مشيرا إلى أن كل القوانين الرسمية والعرفية، والعادات والتقاليد ترفض هذه الأفعال المشينة بين القبائل البدوية، لكنها عادت إلى السطح مجدداً بعد غياب دام سنوات، في ظل وجود تنظيم داعش الإرهابي.
ويشار إلى أن القضاء العرفي في شمال سيناء معتمد بشكل أكبر من القضاء الرسمي لحل الإشكاليات الواقعة بين القبائل، فقلما تصل القضايا إلى المحاكم والنيابات العاملة في سيناء، وطيلة العقود الماضية ظل السكان، خصوصاً أبناء القبائل والعوائل الكبيرة في شمال سيناء، يتجهون إلى الوجهاء والمخاتير والشيوخ من أجل حل الإشكاليات، مع الإشارة إلى قدرة وجهاء القبائل على حل غالبية القضايا، ومن بينها القضايا التي يقتل فيها أشخاص.
وتعقيباً على ذلك، يقول باحث في شؤون سيناء لـ"العربي الجديد"، إن "عودة مظاهر الفلتان الأمني إلى شمال سيناء، وفي هذه المرة بسلاح الدولة المحمول بين يدي أبناء القبائل، يعتبر نذير شؤم على سكان المحافظة الذين يخرجون من كابوس ليدخلوا في آخر منذ عقد من الزمان"، مضيفاً أن "عودة ظاهرة توثيق السلاح تعد من أخطر ظواهر انتشار السلاح بأيدي الشباب في شمال سيناء، وقد تعرض حياة المدنيين إلى الخطر، وتسلبهم حقوقهم وأموالهم من دون أي تدخل للجهات الأمنية، في ظل حمل شباب البدو لبطاقات تسهيل مهام، تتيح عدم التعرض لهم من قبل قوات الجيش والشرطة خلال تحركهم على طرق المحافظة".
وأوضح الباحث الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن عودة ظواهر الفلتان الأمني ستكون من أكبر الدوافع لسحب سلاح القبائل خلال الفترة المقبلة، في ظل انتهاء السبب الذي سمح لهم بموجبه بحمل السلاح خلال الأشهر الماضية، وبالتزامن مع هدوء الأوضاع الأمنية، وغياب تنظيم داعش الإرهابي في كافة مدن شمال سيناء، مشيرا إلى أن "الشعور العام لدى الأهالي هو القلق من المقاتلين البدو الذين يتنقلون بأسلحتهم في كافة مدن المحافظة، بما فيها المحال والمقاهي والمطاعم في مدينة العريش، مركز محافظة شمال سيناء، ما يعني بث المزيد من مظاهر فوضى السلاح".
ونقلت "العربي الجديد"، في تقرير سابق، عن مجموعات قبلية خشيتها من الحديث المتداول عن تخطيط الجيش وأجهزة الاستخبارات لسحب الأسلحة خلال الأسابيع المقبلة، وحسب المصادر فإن الأسلحة تتركز مع عدة مجموعات، من بينها أفراد من قبائل الترابين والسواركة والأرميلات والبياضية والأخارسة، وتشمل أكثر من 600 قطعة سلاح خفيفة، و100 قطعة سلاح متوسط المدى.
وأوضحت المصادر أن سحب السلاح يعني تجريد المجموعات القبلية من كل عوامل القوة التي تملكها، لتعود كما كانت سابقاً كحال سائر المواطنين في المحافظة، مع الإشارة إلى أن قوات الجيش والمخابرات الحربية استعانت بالمقاتلين البدو لملاحقة تنظيم "داعش" منذ مطلع عام 2017 بشكل رسمي، فيما طمح هؤلاء المقاتلون من خلال مساندة الجيش والمخابرات في معركتهم ضد "داعش" إلى نيل كثير من الامتيازات، تشمل التحرك بأريحية داخل سيناء، وإسقاط تهم سابقة في المحاكم، أو الحصول على فرص عمل في المؤسسة العسكرية، أو مشاريع الجيش المصري في سيناء.