لا يخفي الإيرانيون معاناتهم نتيجة العقوبات الأميركية المفروضة عليهم وعلى بلادهم. وبينما يعلّق كثيرون آمالاً على ما قد يصدر عن مفاوضات فيينا، فإنّ كثيرين آخرين يبدون متشككين لسبب أو لآخر.
يترقب الإيرانيون بفارغ الصبر صعود الدخان الأبيض من فندقَي "كوبورغ" و"ماريوت" اللذَين يحتضنان مفاوضات فيينا النووية بين إيران والمجموعة الدولية لرفع العقوبات الأميركية الشاملة عن بلادهم، فيتحررون ولو قليلاً من الضغوط النفسية الهائلة التي يتعرّضون لها في الأعوام الأربعة الأخيرة، مذ أعادت الولايات المتحدة الأميركية فرض عقوباتها التي طاولت كلّ مناحي حياتهم، لا سيّما تلك الاقتصادية والاجتماعية والصحية والثقافية.
ويمكن للمراقب أن يلاحظ كيف يحبس الإيرانيون أنفاسهم في انتظار مخرجات المفاوضات في مرحلتها الأخيرة، وسط أجواء من التفاؤل الحذر في ما يخصّ التوصّل إلى اتفاق يقضي برفع العقوبات. لكنّ المخاوف لا تنفك تراود هؤلاء، في ما يتعلق باحتمال فشل المفاوضات، الأمر الذي من شأنه أن يفاقم أوضاعهم سوءاً على كلّ الصعد. وقد حاولت "العربي الجديد" استطلاع آراء بعض الإيرانيين، وسؤالهم عن توقعاتهم في حال إبرام اتفاق ومدى تأثير رفع العقوبات على حياتهم.
في سوق تجريش الواقع شمالي العاصمة طهران، التقت "العربي الجديد" سارة وهي تتجوّل برفقة صديقات لها، فعيد "النوروز" أو رأس السنة الفارسية اقترب، وهنّ في حاجة إلى شراء بعض الحاجيات الخاصة به قبل حلول 21 مارس/ آذار. تخبر سارة، البالغة من العمر 30 عاماً، وهي عزباء وتعمل في شركة للاستيراد والتصدير، بأنّ "جولة عابرة في السوق أظهرت لي أنّ الأسعار مرتفعة، على الرغم من تراجع سعر صرف الدولار الأميركي في مقابل الريال الإيراني بسبب الأنباء الإيجابية الخاصة بالمفاوضات. لذا أظنّ أنّني لن أتمكن هذه السنة من شراء ملابس جديدة للعيد بمثل هذه الأسعار".
فتقاطعها صديقتها آيناز، وتقول ممازحة: "لا تخافي صديقتي... خذي هذه البطاقة (المصرفية) واشتري بها ما تشائين". وتشير آيناز متحدثة لـ"العربي الجديد"، إلى أنّها حصلت حديثاً على قرض قدره نحو 700 دولار من أحد المصارف لتشتري به تلفازاً جديداً بعد تعطّل جهازها. تضيف الشابة العشرينية التي تعمل في قطاع الصحة، أنّها "في ضوء ارتفاع منسوب التفاؤل بحصول اتّفاق في فيينا، سوف أتريّث لأسبوعَين قبل شراء الجهاز الجديد، إذ قد أحصل عليه بسعر أفضل ممّا هو الآن"، لكنّها لا تخفي مخاوفها من "ارتفاع السعر في حال عدم توقيع اتفاق"، مؤكدة أن "هذه مجازفة... أحبّ أن أجرّب حظي".
وفي ميدان هروي الواقع شرقي العاصمة الإيرانية، لا تخفي زهراء وکیل الرعایا أنّها تعاني من مشكلات كثيرة وتترقّب حصول انفراج في مفاوضات فيينا "لتحسين وضعي الاقتصادي"، لكنّها تؤكد أنّها لا تنتظر الحلحلة لتحقيق ذلك فحسب، "إنما أيضاً لحلّ مشكلات المرضى الإيرانيين الذين يعانون نتيجة العقوبات". وتقول الصحافية الإيرانية الأربعينية إنّ "الأميركيين يدّعون أنّ عقوباتهم لا تشمل الأدوية"، متسائلة "كيف يمكننا تفسير عدم إمكانية شرائنا الأدوية من أيّ دولة والقيام بالتحويلات المالية لاستيرادها؟". وتوضح وكيل الرعايا أنّه "عندما يراجع مريض طبيبه ويعلم بأنّه مصاب بالسرطان، فإنّ أوّل ما يسأل عنه هو تكاليف العلاج، لأنّه يعرف أنّها باهظة الثمن في هذه الأيام"، مؤكدة أنّ "وضع هؤلاء المرضى المأساوي يشغل بالي دائماً"، وتتابع أنّ "إلغاء العقوبات سوف يرفع ضغوطاً نفسية كبيرة عن الإيرانيين عموماً والمرضى خصوصاً، لا سيّما مرضى السرطان".
بالنسبة إلى وكيل الرعايا، فإنّ "نقص الأدوية وانعدام بعضها يدفعان انتهازيين كثيرين، منذ أربعة أعوام، إلى التلاعب بصحة المواطنين وأرواحهم، من خلال استيراد أدوية مزوّرة وبيعها وأدوية أخرى بأسعار باهظة"، لافتة إلى أنّ "الأدوية المزوّرة أودت بحياة كثيرين، بحسب ما قال لي أحد الأطباء"، وتعبّر عن أملها في أن "ينهي رفع العقوبات أزمة استيراد الأدوية، فيحصل ذلك بسهولة، في حين يوضع حدّ لمعضلة الأدوية المزوّرة".
في السياق نفسه، يخبر العامل الستيني حبيب الله مرادي، من مدينة سنندج (غرب)، بأنّ ابنه يعاني من سرطان الدم الحاد منذ عامَين، "وقد بعت كلّ ما كنت أملكه من أجل توفير علاجه، لكنّه لم يتحسّن". يضيف مرادي أنّ "انعدام بعض أنواع الأدوية في إيران فاقم وضع ابني الصحي في الشهرين الأخيرين، وهو اليوم يصارع الموت". ويتابع مرادي وعيناه تدمعان: "لن ينفع رفع العقوبات ابني، لكنّني أتمنّى أن تُرفع لكي تنقذ أرواح مرضى آخرين".
من جهته، يحكي كاميار نوروزي، وهو طالب عشريني، كيف أنّ العقوبات تطاول أيضاً الشؤون العلمية والتعليمية، مؤكداً أنه "لا يمكنني شراء مقالات علمية موثوقة من المواقع العالمية بسبب العقوبات. وأحياناً أضطر إلى استخدام طرق التفافية غير قانونية"، ويعبّر عن أمله بأن "يحلّ رفع العقوبات هذه المشكلة"، مشيراً إلى أنّ "العقوبات عرقلت حياتي. فأنا غير قادر على شراء سيارة أو بيت". يضيف نوروزي أنّ "سوء الإدارة يفاقم آثار العقوبات أيضاً، ولا أعرف إن كانت المشكلات سوف تُحَلّ باتفاق في فيينا".
أمّا البائع الثلاثيني علي جلالي، فيبدو متشائماً جداً. لا يظنّ أن أوضاع البلاد سوف تتغيّر حتى لو أفضت مفاوضات فيينا إلى اتفاق، مؤكداً أنّ "الوضع لن يختلف وحتى لو انخفض (سعر صرف) الدولار". يضيف جلالي: "ما لم يتصالحوا (المسؤولون الإيرانيون) مع الأميركيين، فإنّ الاتفاقيات لن تجدي نفعاً وعجلة الاقتصاد لن تتحرّك". لكنّ جلالي يعبّر عن أمله بأن "يسهّل الاتفاق ظروف السفر إلى الخارج بعد تراجع سعر صرف الدولار، فحينئذ تصير الهجرة في متناولنا وكذلك الرحلات الخارجية. فاليوم، لا يمكننا الذهاب إلى أيّ مكان"، ويسأل: "كيف يمكننا السفر في ظلّ سعر الدولار المرتفع؟".
بالنسبة إلى حامد عباسجو، الموظف الثلاثيني في بلدية طهران، فإنّه يأمل بأن "يؤدّي الاتفاق المحتمل في فيينا ورفع العقوبات إلى تقوية الاقتصاد الإيراني وتحريره من العوامل والاتفاقيات السياسية". هو يرى أنّه "لن يكون للاتفاق كما لعدمه تأثيرات كبيرة"، مشيراً إلى أنّ "تراجع الدولار في الشهور الآخیرة لم يكن ذا فعالية إيجابية في انخفاض أسعار السلع".
في المقابل، يبدو الخمسيني علي رضا إيزدي متفائلاً، إذ يتوقّع "انخفاض أسعار السكن بشكل كبير في حال إبرام اتفاق في مفاوضات فيينا"، ويخبر: "كنت أريد شراء بيت صغير جنوبي العاصمة في عام 2018، لكنّ الأسعار ارتفعت فجأة بعد فرض العقوبات، وفقدت منذ ذلك الحين جزءاً كبيراً من قوّتي الشرائية. واليوم مثلاً لا أستطيع إلا شراء عشرين متراً بمدخراتي". ويأمل إيزدي أن يحقق ما كان ينوي فعله في السابق، مع انخفاض أسعار السكن بعد الاتفاق المحتمل. ويشير إيزدي إلى أنّ "ابنتي مقبلة على الزواج، لكنّني أجّلت الحفل في انتظار انخفاض الأسعار، على أن أتمكّن كذلك من توفير جهاز العرس لها". ففي إيران، تشارك أسرة العروس في تأسيس حياتها الجديدة مع زوجها، من خلال شراء مستلزمات أساسية، من خلال ما يُعرَف بـ"الجهيزية"، أي تجهيزها بالأثاث اللازم.
بدورها، تعبّر الرسامة العشرينية مهتاب نصيري عن أملها بتوقيع اتفاق، قائلة "لعلّ الأسعار تنخفض ونشتري جهاز العرس بأسعار أرخص"، لكنّها تبدو متشائمة إزاء ذلك، إذ تشير إلى أنّ "في بلادنا، لم تجرِ العادة أن يُحسَّن وضع الناس باتفاق أو بغيره. فطوال سنوات عمرنا، لم نشهد تراجعاً في الأسعار، الأمر الذي فاقم أوضاعنا الحياتية، فصرنا نودّع أحلامنا واحداً تلو الآخر".
في سياق متصل، يخبر السائق الأربعيني أحمد بأنّه ترك أهله في مدينة سلماس، غربي البلاد، وهو يعمل في طهران منذ أكثر من عام، ويشير إلى أنّه يبيت معظم الليالي في سيارته، "ساعياً إلى جمع المال والعودة به إلى مدينتي لتوفير حاجيات أسرتي"، ويقول: "أتابع أخبار المفاوضات عبر راديو السيارة"، معبّراً عن أمله بأن "تنتهي إلى اتفاق يحسّن أوضاع البلاد الاقتصادية ويعيد فتح المصانع المغلقة بسبب تردّي الوضع من جرّاء العقوبات". ويلفت أحمد إلى أنّه كان يعمل في "ورشة بمدينة أورمية (شمال غرب)، لكنّني أفلست في عام 2019 واضطررت للانتقال إلى طهران للعمل".