يتحوّل النقل الفوضوي في تونس أحيانا إلى بديل عن وسائل النقل العمومية، حيث تزدهر خدمة النقل غير المرخص داخل المناطق التي تعرف كثافة سكانية عالية في الأحياء الشعبية المحيطة بالمدن الكبرى في ظل تراجع لخدمات المواصلات العامة.
والنقل الفوضوي يشمل سيارات المواطنين الخاصة المستخدمة لنقل المواطنين في غياب النقل العام، دون ترخيص أو عقود تأمين تحمي حقوق الركاب. ووفق تعريفات يحددها مسبقا صاحب السيارة تتلاءم عادة والقدرة الإنفاقية للمواطنين، في ظل تراجع خدمات النقل العمومي ومعاناة التونسيين اليومية في التنقل.
وفي حي سيدي حسين السيجومي، الذي يضم أكثر من 200 ألف ساكن، تنشط حركة العربات غير المرخصة في أوقات الذروة التي تمتد من الساعة السابعة صباحا إلى حدود التاسعة ومن الساعة الخامسة إلى السابعة في الفترة المسائية.
بسبب أزمة التمويل التي تعاني منها موازنة تونس لم يعد تطوير شبكة النقل الحكومي من أولويات السلطة
ويقول علاء حمودي وهو أحد سكان الحي لـ"العربي الجديد"، إن "النقل الفوضوي هو الحل البديل عن نقص المواصلات في المنطقة رغم المحاولات الرسمية لاستيعابه وتقليص مخاطر العربات الفوضوية بمنح رخص استغلال سيارات نقل جماعي للسواق"، مضيفا "تستمر معاناة المتساكنين في الحي مع أزمة المواصلات منذ عقود، وهو ما يدفعهم إلى اللجوء إلى النقل الفوضوي واستعمال عربات لا توفر شروط السلامة لركابها أحيانا".
ويؤكد أن "النقل الفوضوي يزدهر في غياب البدائل حيث يقطع المواطنون مسافات طويلة من أجل الظفر بمقعد في سيارات النقل الجماعي التي تحاول السلطات تعميمها في المنطقة". ورغم ذلك يرى حمودي إلى أن "النقل العمومي هو الحل لاستيعاب العدد الكبير من المواطنين الذين يتنقلون من حي سيدي حسين نحو وسط العاصمة"، مشيرا إلى "تعثر مشروع لتطوير المواصلات في المنطقة منذ نحو 15 سنة".
ويدفع المواطنون لأصحاب العربات غير المرخصة، بحسب ما أكده الحمودي ما بين دينار ودينار و200 مليم عن السفرة الواحدة (أقل من نصف دولار بقليل)، مشيرا إلى أن "هذا النشاط غير القانوني يوفر أيضا دخلا لأصحاب العربات ممن يعملون في النقل الموازي وهم عادة من العاطلين من العمل".
ولا يعد النقل الفوضوي حكرا على حي سيدي حسين في العاصمة، حيث تشتغل شبكات أخرى على خطوط أحياء "دوار هيشر" و"التضامن" و"الوردية" و"فوشانة" و"البحر الأزرق" وغيرها من الأحياء التي يعاني سكانها من نقص المواصلات المنتظمة.
وبسبب أزمة التمويل التي تعاني منها موازنة تونس، لم يعد تطوير شبكة النقل الحكومي من أولويات السلطة، حيث تعاني أغلب شركات النقل الحكومي من صعوبات مالية وحالة إفلاس غير معلن ما أدى إلى عدم قدرتها على تجديد أسطول الحافلات وعربات المترو التي يتجاوز معدل أعمارها 15 سنة.
ويعد الاكتظاظ والتأخير والأعطاب المتكررة وغياب الأمن وتراجع مقّومات السلامة في المواصلات العامة أبرز إشكالات المواطنين على الخطوط القصيرة وخصوصا في إقليم محافظات العاصمة الكبرى. ويؤكد عضو النقابة الأساسية للنقل الجماعي، هشام الهمامي أن "النقل الفوضوي ينافس بشكل كبير النقل الجماعي الذي يشتغل في أطر قانونية"، منتقدا "عدم استجابة السلطات لمطالب القطاع بتوسيع التراخيص للنقل الجماعي من أجل الحد من العربات الفوضوية".
وأفاد الهمامي في تصريح لـ"العربي الجديد" بأن "عربات النقل الفوضوية تتجاوز كل قوانين النقل، حيث غالبا ما تتسبب في حوادث خطرة نتيجة استعمال مركبات قديمة وتجاوز الحمولة".
وأكد في سياق متصل "سيطرة النقل الفوضوي على المناطق التي لا توجد بها خطوط للنقل الجماعي المنظم ومنها منطقة البحر الأزرق في الضاحية الشمالية للعاصمة تونس، حيث تغض السلطات النظر عن المتجاوزين بدعوى تقديمهم لخدمة اجتماعية للمواطنين"، بحسب قوله.