تونس: أطباء مرهقون محرومون من العطل

05 مارس 2023
تواجه تونس نقصاً في عدد أطباء الاختصاص (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

لم تُؤثّر أزمة نقص الأطباء في تونس خلال السنوات الأخيرة على المرضى فحسب، إذ يشكو أطباء القطاع العام من العمل لأوقات طويلة، وبات كثيرون عاجزين عن الحصول على إجازاتهم القانونية بسبب ضغط العمل، وارتفاع أعداد المرضى، وتحتد الأزمة خلال تفشي الأمراض الموسمية، لا سيما في فصل الشتاء.
وأثارت محاولة انتحار طبيبة مقيمة في مركز التوليد بالمنستير، في يناير/ كانون الثاني الماضي، جدلاً كبيراً واحتجاجات، إذ قدّمت الطبيبة تقريراً يفيد بأنها تحتاج إلى الراحة لمدة شهر. لكن رُفض طلبها من قبل رئيس القسم، لتجبر على العمل، ثم تحاول الانتحار. 
وأكدت المنظمة التونسية للأطباء الشبان أنّ الطبيبة تعرضت إلى "ضغط نفسي بالقسم، عدا عن مطالبتها بتغيير تخصصها في تعدٍّ صارخ على كرامتها، وهو ما سيكشفه التحقيق". رافضة "استغلال السلطة، والتعسف، وعدم احترام العطل المرضية، وعطل الأمومة، على الرغم من أن الحقوق مكفولة في القوانين والمعاهدات الدولية".  
وأعادت الحادثة إلى الواجهة مشكلة الضغط الكبير الذي يتعرّض له الأطباء في القطاع الحكومي بسبب العمل المتواصل، وعدم الحصول على الإجازات نتيجة النقص الكبير في أعداد الأطباء في جميع الأقسام وفي غالبية المستشفيات، لا سيما الجامعية التي تستقبل المرضى من مختلف الجهات التي تغيب فيها المراكز الطبية، أو تشهد نقصاً حاداً في أطباء الاختصاص. 
يعمل الطبيب عبد الله في قسم أمراض النساء والتوليد في المستشفى الجامعي بالرابطة في العاصمة، والذي يعدّ من بين أكثر الأقسام التي تشهد إقبالاً من المرضى يومياً، عدا عن الولادات. يقول إن غياب طبيب واحد يجعل البقية يعملون أكثر من 15 ساعة يومياً بسبب نقص الأطباء في القسم، بالإضافة إلى استقبال العديد من المرضى من مختلف مناطق العاصمة وجهات داخلية أيضاً.

ويضيف: "لا يتعلق الأمر فقط بقسم أمراض النساء والتوليد، إذ إن غالبية الأقسام تشكو نقص الأطباء، في وقت تعاني العديد من المستشفيات الأخرى غياباً كلياً في أعداد أطباء الاختصاص، ما يجعل المستشفيات في المدن تتحمل ضغط عمل مضاعفاً بسبب استقبال المرضى من مناطق عدة". 

يضطر بعض الاطباء إلى العمل ساعات طويلة بسبب النقص (ياسين محجوب/ Getty)
يضطر بعض الأطباء إلى العمل ساعات طويلة بسبب النقص (ياسين محجوب/Getty)

وتؤكد المنظمة التونسية للأطباء الشبان أنّ إقدام الطبيبة على الانتحار "مجرد حادثة من حوادث عدة مسكوت عنها في المستشفيات الحكومية حيث يتعرض الأطباء الشبان يومياً إلى ضغوط نفسية قاسية تعود أسبابها إلى اهتراء البنى التحتيّة للمستشفيات، ونقص الكادر البشري، وتردي ظروف العمل، ما أسفر عن ارتفاع حاد في حالات الإرهاق النفسي والاكتئاب في صفوف الأطباء، وخصوصاً الأطباء الشبان الذين يعملون أحياناً أكثر من 24 ساعة من دون توقف، بالإضافة إلى حرمانهم من إجازاتهم على الرغم من الإرهاق والتعب، وهم مجبرون على العمل لأنهم في مرحلة التربص (الأطباء حديثو التخرج)".
وأشارت وزارة الصحة في دراسة إلى أن القطاع سيتأثر خلال السنوات العشر المقبلة بموجات الإحالة على التقاعد بين أطباء القطاع الحكومي، بالتزامن مع ارتفاع نسب هجرة الأطباء، وبيّنت الدراسة أن 1356 طبيباً موزعين ما بين 776 طبيباً عاماً و580 طبيباً متخصصاً سيحالون إلى التقاعد في غضون عام 2030، وتطرقت إلى خطورة النقص الكبير في المهنيين الصحيين إذا لم يُتخذ إجراء في الوقت المناسب، مؤكدة أن "هذه التحديات ستؤثر خلال هذا العقد على تنفيذ السياسة الصحية الوطنية الجديدة".

وأكدت العمادة الوطنية للأطباء في تونس، هجرة نحو 900 طبيب خلال عام 2022، وكانت فرنسا وألمانيا وكندا ودول الخليج العربي من أكثر الوجهات التي اجتذبت الأطباء، في حين يبلغ مجموع الأطباء العاملين في تونس نحو 8500 طبيب، مشيرة إلى أن أنّ ظروف العمل السيئة تعد من بين أهم أسباب هجرة الأطباء. 

إلى ذلك، يقول محلل السياسات العامة بمنظمة البوصلة، حسام شمام، إنّ "عدد المرضى لكل طبيب قد تضاعف خلال السنوات الأخيرة. وتفيد المعطيات بأنّ عدد المرضى لكلّ طبيب في مستشفى عزيزة عثمانة بقسم النساء والتوليد كان حوالي 508 مرضى عام 2012، ليصبح 1240 عام 2016". 
كما أكدت "بوصلة" أن اهتراء المنظومة الصحية بشكل عام كان سبباً رئيسياً لارتفاع هجرة الأطباء، وخصوصاً الأطباء الشبان. كما أن إحالة العديد من أطباء القطاع العام إلى التقاعد سنوياً ساهم في تراجع عدد الأطباء، ما يعني اضطرار البقية إلى العمل تحت ضغط كبير ولساعات طويلة من دون الحصول على راحة، في ظل عدم إعطاء العديد من الأطباء إجازات لتفادي تفاقم النقص، وخصوصاً في التخصصات التي تشهد توافد عدد كبير من المرضى. 

المساهمون