مع انطلاق كل فصل خريف، وتحديداً خلال مطلع سبتمبر/ أيلول الذي يشهد هطول كميات كبيرة من الأمطار وتساقط لحبات البَرَد في مناطق عدة، يتخوف التونسيون من الفيضانات التي ألحقت خسائر مادية كبيرة بفلاحين وأصحاب متاجر وسكان خلال السنوات الأخيرة، وأدت إلى انقطاع الكهرباء وانهيار الجسور، كما تسببت في خسائر بشرية خصوصاً في الريف.
لكن الخوف من الفيضانات لا يؤرق فقط حياة سكان المحافظات الداخلية أو الريفية، بل يشمل أولئك في كل المناطق التي لم تستثنها الكوارث في السنوات الأخيرة، علماً أن المعهد الوطني للرصد الجوي يُعلن عادة في سبتمبر/ أيلول هطول كميات كبيرة من الأمطار تترافق مع تساقط البَرَد في مناطق عدة، كما يطلق خبراء الرصد الجوي تحذيرات مستمرة من مواجهة موسم شتوي ممطر يشمل إلى تونس بلداناً عدة في منطقة البحر الأبيض المتوسط، خصوصاً خلال سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول.
وتدفع تحذيرات معهد الرصد الجوي إدارات رسمية تعمل في شكل متداخل، على غرار وزارة التجهيز ووزارة الفلاحة ووزارة البيئة، إلى عقد اجتماعات للاتفاق على التدابير التي يجب أن تتخذ للاستعداد للفيضانات وتنفيذ التدخلات المسبقة قبل انطلاق موسم الأمطار، وتحديد مهمات كل إدارة وفق صلاحياتها وإمكاناتها.
ويترافق ذلك مع انطلاق استعدادات لجان مواجهة الكوارث في مناطق عدة بدءاً من سبتمبر/ أيلول للفيضانات، من خلال مجموعة إجراءات بينها تنظيف الأودية ومجاري مياه الصرف الصحي ورفع الأتربة من الطرقات، وتجهيز المعدات المتوفرة وصيانتها للقيام بالتدخلات العاجلة.
وباشرت الإدارات المعنية خلال الفترة الأخيرة المعاينات الميدانية للطرق التي تشهد تجمع كميات كبيرة من مياه الأمطار، وذلك بالتنسيق مع البلديات وهيئات الحماية المدنية. وتفقد مسؤولوها سدوداً وبحيرات جبلية، وعاينوا حال الطرق والجسور، خصوصاً تلك التي تتقاطع مع أودية، وتشهد انهيارات بسبب قوة مياه الأمطار. كما نفذت لجان مواجهة الكوارث تدريبات على مهمات التدخل السريع لاحتواء مخاطر الفيضانات وتدفق كميات كبيرة من المياه إلى أحياء سكنية، واعتماد استراتيجيات في إنقاذ المنازل من تسرب المياه، واستعمال التجهيزات الجديدة الخاصة بالتدخل في مثل هذه الحالات.
وأكدت وزارة التجهيز والإسكان والبنية التحتية أنها رصدت، خلال الأشهر الستة الأول من عام 2021، نحو 7 ملايين دولار لصيانة مساحة 1560 كيلومترا من قنوات المياه، ودعم وترميم 640 منشأة أخرى و75 هكتاراً من أحواض تجميع المياه، من أجل الوقاية من الفيضانات.
وفي 12 أغسطس/ آب الماضي، دعا الرئيس قيس سعيد، إثر اجتماع عقده مع أعضاء اللجنة الوطنية لمواجهة الكوارث والمسؤول المكلف تسيير شؤون وزارة الداخلية رضا غرسلاوي، إلى ضرورة الاستعداد الجيد لموسم الأمطار والفيضانات، وتنفيذ تحركات استباقية سريعة لتنظيف السدود ومجاري الأودية وشبكات الصرف الصحي. كما تفقد وزير التجهيز والإسكان والبنية التحتية والشؤون المحلية والبيئة بالنيابة كمال الدوخ مجموعة مشاريع لحماية المدن من الفيضانات، ودعا إلى إنجاز مشاريع لحماية المدن من الفيضانات، وتطبيق حلول عاجلة استعداداً لموسم أمطار الخريف.
ويبلغ أحد أعضاء لجنة مجابهة الكوارث، محسن بن كرم، "العربي الجديد" أن "اللجان باشرت بالتنسيق مع البلديات ووزارة البيئة منذ أكثر من أسبوعين، معاينة أودية وتنظيفها من الأتربة والأوساخ، وعاينت طرقاً عدة تنقطع سبلها عادة بتأثير هطول كميات كبيرة من الأمطار، ورفعت تقارير لوزارة التجهيز عن حالة كل منها تمهيداً للاستعجال في تنفيذ أعمال الصيانة المطلوبة، وبينها لجسور تشهد توقف حركة العبور وانهيارات. ويجري تنظيف قنوات الصرف الصحي أسبوعياً، خصوصاً في الأحياء الشعبية التي تشهد ارتفاع منسوب المياه حتى بعد نزول كميات قليلة من الأمطار".
ورغم الاستعدادات التي تقوم بها لجان مواجهة الكوارث في مناطق عدة سنوياً، تتعرض مناطق لأضرار بالغة بعد نزول كميات كبيرة من الأمطار، خصوصاً تلك في الريف، علماً أن تدخلات سابقة لم تمنع تضرر مناطق شعبية جراء الأمطار. ويبلغ عبد الرحمن غالي، أحد سكان منطقة الزهور في تونس العاصمة التي تشهد مشكلات كبيرة مطلع كل موسم شتاء، "العربي الجديد" أن "ديوان التطهير ينظف مع حلول سبتمبر/ أيلول بالوعات الصرف الصحي ويزيل الأوساخ والأتربة منها. لكن هطول الأمطار أكثر من نصف ساعة يتسبب في تسكير طرق ويرفع منسوب مياه الأمطار التي تتسرب إلى بيوت ومحلات تجارية، لأنّ قنوات الصرف الصحي قديمة جداً، وتحتاج إلى إعادة تهيئة ومدّ أخرى جديدة تتمتع بطاقة استيعاب أكبر". يضيف: "الحلول المؤقتة لم تمنع تضرر أحياء كثيرة، خصوصاً تلك الشعبية، علماً أن مياه الأمطار والصّرف الصّحّي تتدفّق عبر القنوات نفسها في معظم الأحياء الشعبية التي بنيت بشكل فوضوي، كما تفتقر مناطق عمرانية عدة إلى قنوات تصريف المياه".