تمكّن سجين تونسي من نيل شهادتين وهو داخل السجن، فقد حصل على الإجازة التطبيقية في إدارة الأعمال من المعهد العالي للدراسات التكنولوجية بقبلي، جنوب غربي تونس، ليكون من بين السجناء القلائل الذين يحصلون على شهادة خلال فترة سجنهم.
وناقشت لجنة علمية في المعهد العالي للدراسات التكنولوجية بقبلي، مشروع تخرج السجين، لينال درجة حسن جداً، وذلك بعدما حصل على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) سنة 2015 في السجن. ومنحت اللجنة الطالب معدّل 17 من 20 على مشروع التخرج الذي أنجزه وأشرف عليه أستاذ من المعهد كان يتواصل مع طالبه السجين عن طريق البريد الإلكتروني أو مباشرة من داخل السجن خلال فترة إعداد البحث.
ويقول الناطق الرسمي باسم الهيئة العامة للسجون والإصلاح، سفيان مزغيش، إنّ السجين يستعدّ لمرحلة الدراسات العليا، مؤكداً أنّ هيئة السجون ستواصل مساندته لتحقيق مبتغاه العلمي. ويوضح في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ مشوار السجين التعليمي بدأ عام 2015، بعدما أبدى رغبته في التسجيل لدورة البكالوريا التي اجتازها بنجاح وبمعدل جيد، الأمر الذي مكنه من الالتحاق في المعهد العالي للدراسات التكنولوجية بقبلي وتخرجه منه.
يتابع أن السجين من مواليد 1988، وقد حكم عليه عام 2012 بالسجن لعشرين عاماً بتهمة جنائية. وفي السجن، أبدى استعداداً كبيراً لاستكمال مساره التعليمي، ما مكنه من تحصيل شهادتين خلال 5 سنوات. وفي ما يتعلق بظروف دراسته، يقول مزغيش إنّ نجاح الطالب هو ثمرة جهود مشتركة بينه وبين عائلته وإدارة السجن والأستاذ والمعهد، موضحاً أنّ عائلته تكفلت بتأمين كل الدروس والمراجع التي يحتاجها، فيما تولت إدارة السجن تأمين كومبيوتر له، وتسهيل تواصله مع الأستاذ الذي ساهم بدوره في تأمين البيئة العلمية للطالب من داخل السجن.
خلال فترة المراجعة للامتحانات، تُخصص إدارات السجون عادة المكتبات أو بعض القاعات للطلاب من السجناء للدراسة. ويقول مزغيش إنّ الطالب الذي اجتاز مرحلة التعليم الثانوي ثم الجامعي بتفوق، نجح أيضاً بالتحوّل من مواطن ملاحق قضائياً إلى مواطن قادر على تغيير واقعه الذي سيسهل عليه لاحقاً الاندماج في المجتمع وتجاوز الوصمة الاجتماعية التي عادة ما تلاحق السجناء.
وفي ما يتعلق باحتمال حصول السجين على عفو عام أو تخفيض سنوات العقوبة بعد نجاحه العلمي، يقول مزغيش إنّ السجين لم يقضِ بعد نصف العقوبة ولا يمكنه التمتع بالعفو وفقاً للقوانين، مشيراً إلى أنّ المسار القضائي في تونس يحمي أيضاً حقوق الضحايا أو المتضررين من الفعل الجنائي الذي يرتكبه السجين، الأمر الذي يتطلب قضاء نصف العقوبة على الأقل قبل الحصول على العفو أو تخفيض عدد السنوات السجنية.
بالإضافة إلى هذا السجين الذي نجح في التخرج من المعهد العالي للدراسات التكنولوجية بقبلي، ينتظر سبعة سجناء آخرين نتائج الامتحانات في المرحلة الجامعية في تخصصات الحقوق والمالية والهندسة، من بينهم سجينان في مرحلة الماجستير، بحسب بيانات رسمية للهيئة العامة للسجون والإصلاح.
من جهته، يقول الأستاذ في المعهد العالي للدراسات التكنولوجية بقبلي، منذر اليحياوي، إنّه يشعر بالفخر لأنّ مؤسسته ساهمت في نجاح السجين وساعدته في تجاوز كلّ الصعوبات من أجل مواصلة تعليمه الجامعي. يضيف في حديثه إلى "العربي الجديد" أنّ الرغبة في النجاح يمكن أن تتحدى كلّ العقبات بما في ذلك أسوار السجن، مشيراً إلى أنّ الطالب السجين أبدى جدية كبيرة طوال مساره التعليمي، فكانت النتيجة التفوق في مشروع التخرج.
ويوضح اليحياوي أنّ أساتذة المعهد كانوا طوال سنوات دراسة الطالب يجمعون له الدروس في مختلف المواد، ويسلمونها أسبوعياً إلى والده لإعطائها لابنه. كما تمت الاستعانة بمساعد إداري خلال مرحلة إعداد الفروض والامتحانات، معتبراً أنّ الجهد الجماعي ساهم في نجاح الطالب الباهر. وذكر أنّ إدارة المعهد تهتم حالياً بتسهيل استكمال سجين ثانٍ تعليمه الجامعي.
ولم يمنع تفشي جائحة كورونا والتشدد في الزيارات داخل السجون من مواصلة السجناء من مختلف الأعمار، العام الدراسي المدرسي والجامعي، بهدف تفعيل الدور الإصلاحي لمن يقضون عقوبات سالبة للحرية.