مع انطلاق كلّ موسم صيف، تبدأ تونس بتسجيل حوادث غرق بين الشباب، فيموت عدد منهم في حين يُفقَد آخرون في عرض البحر. وفي بعض الأحيان، قد لا يمرّ يوم من دون الإعلان عن حادثة من ذلك النوع، ليس بسبب هجرة غير نظامية بقوارب الموت وجهتها أوروبا إنّما في خلال الاستجمام على بعض الشواطئ، خصوصاً تلك التي تُمنَع فيها السباحة بسبب تلوّثها أو بسبب خطورة من نوع آخر.
وتتسبّب خيارات الشباب غير المناسبة في تلك الحوادث، من بينها القفز من أماكن مرتفعة جداً والارتطام بالصخور مثلاً، وعدم احترام الرايات السوداء التي تثبّتها فرق الإنقاذ من أجل تحديد المسافات الآمنة، وكذلك تجاهل إنذارات الخطر. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ كثيرين يسبحون مباشرة بعد تناول الأكل فيما يموت آخرون بسبب صدمات ناجمة عن ارتفاع درجة حرارة الجسم في مقابل برودة المياه تؤدّي إلى سكتة قلبية. هذا ما قد تشير إليه مصالح الحماية المدنية ووزارة الصحة العامة في البلاد عند الإعلان عن حوادث غرق. يُذكر أنّ حادثة وقعت أخيراً في مدينة منزل جميل التابعة لولاية بنزرت شمالي البلاد، غرق في خلالها ثلاثة أطفال من عائلة واحدة. وقع ذلك في منطقة تُمنَع السباحة فيها بسبب الصخور وحطام قوارب على الرمال، علماً أنّها منطقة غير مشمولة بحراسة الحماية المدنية.
ونظراً إلى أنّ الشواطئ تمتدّ في تونس ولا يُمكن تأمينها كلها بواسطة فرق إنقاذ نتيجة عدم توفّر أعداد كافية من العناصر البشرية وضعف الإمكانات، بالإضافة إلى تلوّث شواطئ عدّة، فإنّ وزارة الصحة العامة تُصدر في بداية كل صيف بلاغات تُحذّر فيها من السباحة في مواقع تدرجها في قائمة خاصة.
وذكرت الوزارة أخيراً أنّ منظمة الصحة العالمية أفادت بأنّ عمليات تقييم نوعية مياه الشواطئ التونسية بحسب نتائج أنشطة المراقبة الصحية، بيّنت أنّ 76 في المائة من مجموع الشواطئ مياهها ذات نوعية حسنة وحسنة جداً، فيما حدّدت الشواطئ غير القابلة للسباحة بـ17 شاطئاً موزّعة في ستّ جهات. وبعد رفع 1546 عيّنة من مياه البحر، بيّنت عمليات التحليل والتقييم التي أجرتها الوزارة أنّ 76 في المائة منها تتراوح ما بين جيدة وجيدة جداً و15 في المائة في حاجة إلى متابعة في حين أنّ خمسة في المائة ما بين رديئة ورديئة جداً. وقد شدّدت الوزارة على ضرورة الامتناع عن السباحة في الشواطئ الملوّثة المذكورة وعن كلّ سلوك قد يؤدّي تلويث الشاطئ وتردّي نوعية مياه. كذلك طالبت باتباع التدابير الصحية المطلوبة للوقاية من انتشار فيروس كورونا الجديد، من خلال احترام مبدأ التباعد الجسدي والتقيّد بشروط الحفاظ على السلامة الشخصية وتفادي السباحة عند الشواطئ التي تشهد اكتظاظاً.
على الرغم من كلّ التحذيرات، غرق الإخوة الثلاثة المشار إليهم فيما أُنقِذ عشرات من الشباب، لا سيّما عند بعض الشواطئ الخطرة في بنزرت. كذلك كان قد سُجّل غرق شاب آخر عند أحد شواطئ ولاية نابل في شمال شرقي البلاد، قبل انطلاق موسم الاصطياف. تُضاف إلى ذلك وفاة شاب من معتمدية وادي مليز التابعة لولاية جندوبة في أقصى شمال غربي البلاد، علماً أنّه يبلغ من العمر 23 عاماً وقد غرق في المنطقة السياحية التابعة لمدينة طبرقة في الولاية نفسها.
أحمد بن الغالي واحد من التونسيين الذين خسروا أبناءهم. يخبر "العربي الجديد" أنّ "ابني توفي بعد غرقه عند أحد الشواطئ نتيجة ارتطام رأسه بالصخور. هو كان عند شاطئ خطر، السباحة ممنوعة فيه بسبب عمقه وصخوره في قربص (بولاية نابل)". يضيف أنّ "ابني كان في رحلة ترفيهية مع رفاقه، وراحوا يبحثون عن شواطئ بعيدة وغير مكتظة. لكنّه للأسف توفي في حين فُقد أحد رفاقه في البحر".
من جهته، يقول المسؤول في الدفاع المدني معز الدبابي لـ"العربي الجديد" إنّ "حوادث الغرق تتكرر سنوياً في خلال أربعة أشهر، على الرغم من تحذيرات وزارة الصحة ووضعها قائمة بأسماء الشواطئ التي تُمنع السباحة فيها". يضيف أنّه "حتى تلك التي تُسمَح فيها السباحة، فإنّها تشهد حوادث غرق ضحاياها خصوصاً من الشباب، وذلك بسبب السباحة على الرغم من تحذيرات المرصد الجوي ومنع السباحة عند ارتفاع سرعة الرياح"، لافتاً إلى أنّ "تيارات مائية قد تتشكّل وتسبّب الغرق".
تجدر الإشارة إلى أنّ قاعدة العمليات المركزية في الديوان الوطني للحماية المدنية أفادت بارتفاع حوادث الغرق في الأعوام الأخيرة، نتيجة السباحة في مواقع غير محروسة أو في خارج توقيت حراسة الحماية المدنية، إلى جانب السباحة في مواقع تُمنع فيها السباحة في كلّ الأوقات نظراً إلى عمق مياهها ووجود صخور خطرة في القاع، وهي مواقع منتشرة في مناطق كثيرة على الساحل التونسي، تُضاف إلى ذلك مخاطر التيارات في عمق البحر.