يعمل التونسي عبد الرّحمن بن يونس منذ أكثر من 6 سنوات في حفر "المواجل"، خاصة في محافظات جنوب البلاد. يستخدم المعول ومعدات بسيطة للحفر في الفسحة الخارجية للمنازل، أو في المزارع، بطلب من أصحابها الذين يرغبون في تخزين مياه الأمطار.
و"الماجل" في اللهجة التونسية الدارجة هو حفرة كبيرة في الأرض لتخزين المياه، وهي تشبه البئر لكن مياهها ليست قادمة من باطن الأرض، وإنما مصدرها تجميع مياه الأمطار عبر أودية صغيرة تصب في داخل الماجل إذا كان محفوراً في أرض زراعية، أو مجمعة من أسطح المنازل عبر "الميزاب" لتصب في الماجل المحفور في البيوت.
يبلغ عمق الماجل نحو ستة أمتار، وعرضه يتجاوز أربعة أمتار، وتكون قاعدته واسعة، ويجرى تسقيفه على شكل مكعب ذو فوهة دائرية الشكل، يجرى من خلالها إنزال الدلو مثل ما يستخرج الماء من الآبار.
يقول عبد الرحمن إنّ عملية حفر "الماجل" تستغرق وقتاً متبايناً حسب عمقه وعرضه. وتبدأ عملية الحفر بإخراج التربة والحجارة، لتُبلّط في مرحلة لاحقة جدرانه بالإسمنت. ثم تركيب السيراميك حتى يبدو كأنه حمام سباحة تحت الأرض، ثم تسقيفه، وترك فوهة لاستعمالها لملء الماجل من مياه الأمطار عبر الميزاب، أو من الأرض.
وكان الماجل، كما البئر، لا يغيب عن أي بيت تونسي، سواء في المدن أو الريف قبل ربط البيوت بقنوات المياه الصالحة للشرب، حين كانت العائلات تستعمل مياه الآبار للشرب والغسيل وسقي الأرض، وكان البعض يملك بئراً صالحة للشرب، فيما البعض الآخر مياه بئره عالية الملوحة وغير صالحة للشرب، ويضطر إلى استعمالها للغسيل فقط، ويقوم بحفر "ماجل" يجمع فيه مياه الأمطار لاستعمالها في الشرب والسقي في حال كان يملك أرضا زراعية.
وبعد تحذيرات الخبراء من مخاطر شح المياه، بات البعض يبحثون عن حلول بديلة، لا سيما في المناطق التي تشهد نقصاً كبيراً في المياه، أو المناطق التي تشهد انقطاعات متكررة. يقول بن يونس: "كثير من العائلات عادت إلى الطرق التقليدية لتوفير المياه، سواء عبر حفر الآبار، أو حفر وتجهيز مواجل، ولأنّ حفر الآبار يتم بعد الحصول على ترخيص مسبق، يلجأ البعض إلى حفر المواجل، والتعويل على الأمطار، وعادة ما تجرى عملية الحفر في فصل الصيف لاستقبال الأمطار الموسمية في شهر سبتمبر/أيلول، والتي تتسبب أحيانا في فيضانات، ويجرى استعمال تلك المياه المجمعة على مدار السنة، مع ضرورة تنظيف الماجل في نهاية كل صيف تحضيراً للموسم الشتوي الممطر".
كريم النفزي، أحد العاملين في حفر الآبار والمواجل منذ عشر سنوات، ويشير إلى أنّ "العديد من العائلات، خصوصاً في مناطق الجنوب، عادت إلى هذه الطريقة التقليدية خلال السنوات الأخيرة بسبب شح المياه، وأتلقى طلبات كثيرة لحفر المواجل في البيوت، وفي المزارع. خصوصاً أنّها طريقة ناجعة لتخزين كميات كبيرة من مياه الأمطار النظيفة، التي تكون صالحة للاستعمالات الفلاحية، وحتى المنزلية، وإذ بني الماجل بطريقة جيدة، فإنّ مياهه تكون صالحة للشرب، ما يجعله حلاً للمشكلات في مواجهة انقطاع المياه بشكل مستمر في العديد من المناطق".
وعاد كثير من الفلاحين إلى تلك الطريقة التقليدية لتخزين مياه الأمطار لاستعمالها في الزراعة، وفي سقي الأغنام والأبقار، خصوصا أنّ العديد منهم ترفض السلطات طلباتهم لترخيص حفر آبار، كما أن حفر البئر بات يكلف قرابة 5 آلاف دولار، بينما تجهيز الماجل يتطلب نحو 500 دولار.
ويُبنى الماجل في بعض المناطق على شكل غرفة صغيرة تخزن فيها المياه، ويجهز بصنابير تسهل عملية ملأ البراميل، وفي الأرياف، يظهر الماجل المشترك الذي يستعمله كل السكان.
وفي الفترات التي تنزل فيها كميات كبيرة من الأمطار، ويبلغ الماجل طاقة استيعابه القصوى، يُفرّغ الفائض من المياه عبر فوهة صغيرة تحفر في أحد جانبيه، وتتولى تصريف المياه إلى الأراضي الفلاحية المجاورة.
ولا تُضاف أي مواد تعقيم للماء، وإنمّا يُستعمل كما هو، ويحرص كثيرون على استعمال مياه الماجل بعناية للحفاظ على المياه من جانب، وتجنب تكدس الرواسب في القاع من جانب آخر.
وسبق أن أدرجت وزارة التجهيز والإسكان مساهمة من الصندوق الوطني لتحسين السكن في تمويل بناء الماجل داخل المساكن لتجميع مياه الأمطار بقيمة 1500 دولار، وذلك بغية اتباع سياسات ترشيد استهلاك الماء داخل البنايات السكنية.