تونس: كليات الفنون الجميلة "لوحات بطالة"

31 اغسطس 2022
ينتظر آلاف من خريجي الفنون فرص عمل (العربي الجديد)
+ الخط -

يختار ناجحون بمجموع ضعيف في امتحانات البكالوريا بتونس اختصاصات لا يضمنون بها العمل فيعانون بطالة مستمرّة. ورغم ذلك يتخرّج آلاف الطلاب سنوياً في هذه التخصصات.

تخرجت حميدة بن جعفر من معهد الفنون الجميلة في تونس عام 2010. ورغم مرور أكثر من عشر سنوات على تخرّجها، ما زالت تبحث عن عمل حتى اليوم، ولم تشارك منذ تخرّجها في أيّ مباراة انتداب في القطاعين العمومي والخاص، لأنها مفقودة في تخصصها.
تقول لـ"العربي الجديد": "تخرجت من كلية فنون جميلة في اختصاص الرسم والنحت، ولم أجد أي عمل، فزاولت مهناً أخرى بعيدة من تخصصي الجامعي، بينها مربية أطفال في إحدى الرياض، ومعلمة دروس لغة عربية". 
تضيف: "لا يجد غالبية خريجي كليات الفنون عملاً في وظائف حكومية، في حين تتوفر لبعضهم فرصاً قليلة في القطاع الخاص، مثل فندق أو شركة هندسة قد تشغّل بعض خريجي كليات الفنون المتخصصين في الديكور الداخلي. أما الباقون فيضطرون إلى إنشاء مشاريع صغيرة، أو رسم لوحات ونحت قطع لبيعها في معارض تنظمها وزارة الثقافة أو وزارة السياحة". 
تضم كليات الفنون الجميلة في تونس تخصصات عدّة على غرار الفسيفساء والرسم والنحت، لكن آلافاً من الخريجين لا يجدون عملاً سوى رسم بعض اللوحات وعرضها على مواقع التواصل الاجتماعي، أو المشاركة في معارض لبيع بعضها.  ويخبر سيف الدين فرحاني، أحد خريجي كلية الفنون الجميلة، "العربي الجديد" أنّه أنهى تعليمه العالي قبل 11 عاماً، ولم يجد عملاً بعدها في أي مؤسسة عامة أو خاصة.

ويقول: "أرسم بعض اللوحات وأبيعها في معارض، لكن عشرات منها لا تباع لأنّ أسعارها مرتفعة، ولا يستطيع كثيرون شراءها بسعر يفوق 100 دولار، علماً أن أسعار أدوات الرسم مرتفعة، في حين يعتقد البعض بأننا نرفع أسعار اللوحات لتحقيق أرباح مادية، لكن فعلياً لا ربح كبيرا في اللوحة الواحدة، بسبب ارتفاع أسعار كل مستلزمات الرسم".
وتوجد في تونس 13 جامعة تضمّ مئات من الكليات ذات التخصصات المختلفة. والطالب الجديد ملزم بتحديد 10 خيارات تراتبية بحسب مجموع نقاطه في امتحانات البكالوريا، في ما يُعرف بالتوجيه الجامعي أو تنسيق الجامعات. 
ومنذ عام 2017، أطلق أستاذ ثانوي سابق يدعى حسين المستوري موقع "وجهني" لمساعدة الطلاب في تحديد خيارات تخصصاتهم الجامعية.

ينتظر آلاف من خريجي الفنون فرص عمل (العربي الجديد)
يرسم لوحات لكنها لا تباع (العربي الجديد)

ويقول لـ"العربي الجديد": "يهدف الموقع في الأساس إلى مساعدة الناجحين في البكالوريا في اكتشاف الفرص، واختيار أفضل التخصصات التي تدعم إيجادهم عملاً في القطاع العام أو الخاص، أو تعطيهم فكرة حول فرص إنشاء مشاريع مستقلة قابلة للنجاح استناداً إلى احتياجات سوق العمل. لكن عدداً كبيراً منهم، لا سيما الناجحون في دورة التكميلية، يضطرون إلى اختيار اختصاصات غير معترف بها في هذا السوق، بينها تلك في كليات الفنون الجميلة، حيث لا ينتدب إلا قليلون منهم للتدريس في المعاهد الثانوية أو المدارس، باعتبار أن المعهد الواحد قد يضم مدرس رسم واحدا فقط يعطي حصة واحدة في الأسبوع لكلّ فصل.

ويعمل البعض في دور للشباب ونوادٍ ثقافية وفنية في شكل تعاقدي لتنفيذ أنشطة ثقافية لساعات معدودة أسبوعياً. وهكذا يبقى آلاف في انتظار فرص عمل شبه منعدمة. وقد أكد اتحاد العاطلين عن العمل وجود عدد كبير من أصحاب الشهادات العليا في اختصاصات لا تتوفر وظائف لها، ما رفع نسبة البطالة في صفوف خريجي التعليم العالي". 
ويذكر عمر بشيني خريج كلية الفنون في اختصاص الرسم لـ"العربي الجديد" أنه لم يختر الدخول إلى هذه الجامعة، لأنه لا يهوى والرسم أو النحت ولا يتقن أيا منها، لكنّه اضطر إلى درسها بسبب تدني مجموع نقاطه في امتحانات البكالوريا الأدبية، ونجاحه في الدورة التكميلية.

يقول: "لا يُشترط امتلاك مجموع علامات جيد لدخول كلية الفنون الجميلة، في حين كان يتوجب علي أن أواصل تعلمي العالي للحصول على شهادة حتى إذا لم أجد عملاً، ولم يكن الاختصاص مطلوباً كثيراً في سوق العمل. والدراسة لمدّة أربع سنوات جعلتني أتقن الرسم حتى أصبحت مغرماً بكلّ أنواع الفنون، وجرّبت حتى النحت على الرخام والحجارة الرسم بالفسيفساء. لكن ذلك لم يكن مجدياً، فأين سأعمل، وأي مؤسسة ستشغل شخصاً يستطيع النحت والرسم فقط. حتى أن إنتاجنا لا يُباع بسهولة بسبب ارتفاع ثمنه قليلاً، رغم أن النحت ليس أمراً سهلاً، ويحتاج إلى وقت طويل. والناس تُقبل على اللوحات المطبوعة أو على التماثيل المصنوعة، وليس المنحوتات المنخفضة الثمن.

ولا بدّ من الإشارة إلى أن نسب المشاركة في المعارض التي تنظمها بعض الوزارات قليلة جداً، كما أن الفنانين يتنافسون مع آخرين يتقنون الرسم من دون أن يكونوا من خريجي كليات الفنون الجميلة، ما يعني أنّنا نجد صعوبة حتى في المشاركة في هذه المعارض التي لا تستوعب العدد الكبير من العارضين". 

المساهمون