بعد ادّخار دام 16 عاماً، استعدت المصرية سامية أحمد أخيراً للحج، لكنّ تحديد أعداد الحجّاج لعامين متتاليين بسبب جائحة كوفيد-19 بدّد آمالها وآمال آلاف آخرين بأداء المناسك، خصوصاً مع تقدّمها في السن وتراجع حالتها الصحية. وكما في العام الماضي، قرّرت المملكة السماح لعدد محدود من سكّانها بأداء المناسك هذا العام، ما حال دون تدفّق ملايين المسلمين الذين يقصدون عادة مكة المكرّمة من كل أنحاء العالم لهذه المناسبة.
وقالت أحمد، البالغة من العمر 68 عاماً، بحسرة لوكالة فرانس برس، في منزلها في القاهرة: "العام الماضي دفعت مبلغاً لشركة السفر وبدأت بالفعل في إعداد أغراضي. ثم شعرت بصدمة شديدة وبكيت لأيام بعد تقييد الحج". وأضافت باكية وهي تمسك بسبحتها: "أمنيتي أن أختم حياتي بالحج. لا أعرف إن كنت سأكون على قيد الحياة في العام المقبل أم لا".
وشارك نحو عشرة آلاف مقيم في مناسك العام الماضي، مقارنة بنحو 2.5 مليون مسلم في 2019، فيما ستون ألفاً من سكان المملكة الملقّحين ضدّ فيروس كورونا يشاركون في موسم الحج هذا العام.
في مصر والعديد من البلدان الإسلامية، ينتظر أصحاب الدخل المحدود سنوات طويلة أحياناً حتى الانتهاء من ضغط مصاريف تعليم وتزويج أبنائهم، قبل التخطيط للذهاب للحج. ورغم الكلفة الباهظة، يحرص المصريون على الادّخار، لكنّ آمالهم معلّقة بقرعة تجريها السلطات لاختيار الحجاج وفق برنامج حكومي، يبدأ من 70 ألف جنيه (4450 دولاراً). وبالإضافة إلى هذا "البرنامج الاقتصادي"، يمكن التقدّم إلى قرعة "الحج السياحي الفاخر" الذي يكلّف أكثر. وقد اختارتها سامية أحمد. وأوضحت الموظّفة المتقاعدة أنّها قررت دفع 100 ألف جنيه (6350 دولاراً) للحج، على أن تسدّد نسبة 60 بالمائة من المبلغ قبل السفر والباقي على أقساط لمدة ستة اشهر.
"الغالبية من كبار السن"
رغم كلّ هذه التضحيات، حالت الجائحة دون قيام أحمد بالحج. وقالت الجدّة المريضة بالسكري والتي تعاني من ضغط دم مرتفع: "فرصي الآن باتت صعبة، لأنّ (السعودية) ستختار مستقبلاً حجاجاً أصغر سناً وغير مرضى".
وكانت السلطات السعودية قد اشترطت هذا العام أن تكون أعمار الحجاج بين 18 و65 عاماً، وألّا يكون المتقدمون بطلب أداء المناسك من أصحاب الأمراض المزمنة. ويحظى الحجّ والحجاج بتقدير واحترام خاص في المجتمع المصري. وتخصّص السلطات 10 بالمائة من تأشيرات الحج للأكبر سناً. ودأب المصريون على رسم جداريات تصوّر الكعبة على بيوت الحجاج للاحتفاء بهم. كما أنّ هناك أغاني تراثية تحتفل بالمناسك وزوّار الحرمين. وبلغ عدد الحجاج المصريين في 2019 نحو 78 ألفاً، بحسب إحصاءات رسمية، من أصل أكثر من 300 ألف متقدم، وفقاً لتقارير إعلامية.
وقال محمد عصام، وهو مالك ومدير شركة سياحية في القاهرة، إنّ "كبار السن فوق الستين عاماً يشكلّون أكثر من 65 بالمائة" من عملائه سنوياً. وتابع حديثه، في مكتبه حيث تزيّن صور للحرم المكي الجدران: "بشكل عام، معظم الحجاج عالمياً من كبار السن. الناس يبدأون في التفكير بالحج حين يكون لديهم فائض مادي".
وبالنسبة للموظفة الحكومية المتقاعدة أمينة جعفر (58 عاماً)، فإنّ الادخار الذي تقوم به منذ 30 عاماً هو من أجل "الذهاب للقاء الله". وشاركت في قرعة الحج مرتين دون نجاح، قبل أن يتم تحديد أعداد الحجاج. وقالت جعفر: "أخيراً أنا مستعدة مالياً، لكن كورونا تمنعني"، معربة عن تخوّفها من أن تضطر مع الوقت لإنفاق "أموال الحج على مصاريف والتزامات الحياة".
"بدائل" صحية
إلى جانب الدول العربية، يشكّل مسلمو البلدان الآسيوية نسبة كبيرة من الحجّاج سنوياً. في إندونيسيا، أكبر دولة مسلمة من حيث عدد السكان، أكّدت البائعة جومينا (65 عاماً)، تلقّيها جرعتي لقاح لتكون مستعدة للحج الذي تدّخر الأموال منذ 2011 لأداء مناسكه. وقالت بأمل: "إذا كانت لدي الصحة الكافية سأحجّ في العام المقبل".
في مدينة روالبندي في شمال باكستان، أرجأ البقّال المريض محمد سليم (73 عاماً)، إجراء عملية جراحية في الكبد بهدف الذهاب للحج، لكن الوباء منعه لسنتين متتاليتين، وقال لفرانس برس في منزله: "لم يكن لدي المال من قبل لأحجّ، لكن الآن أبنائي تزوجوا وباتت لدي الموارد"، قبل أن يشير إلى أنّ صحته "تتدهور وأحتاج إلى جراحة".
في بيشاور، عبّر العامل سبحان الله (70 عاما)، الذي أمّن له ابنه الموظف في ماليزيا تكاليف الحج، عن قلقه من ارتفاع تكاليف أداء الفريضة لاحقاً، وقال بأسى إنّ "الأموال التي أرسلها ابني ربما لن تكون كافية في العام المقبل".
وقالت أمينة جعفر إنها ستتلقى اللقاح ضدّ الفيروس حين يُسمح لها بذلك في مصر من أجل أن تكون على أتم الاستعداد للحج في السنوات المقبلة. لكنّها اعتبرت أنه كان يمكن للسعودية هذا العام أنّ تلجأ إلى "بدائل" صحية أخرى عوضاً عن تحديد أعداد الحجاج، وقالت بحزن: "كان يمكن أنّ يخصّصوا ولو 5 بالمائة لكبار السن من خارج السعودية".
(فرانس برس)