تسبب العام الأول من جائحة كورونا في زيادة القلق والاكتئاب عالمياً بنسبة بلغت 25 في المائة، وفق إحصاء صادر عن منظمة الصحة العالمية في منتصف 2022، ودفعت المخاوف بشأن الزيادات المحتملة في حالات الصحة العقلية 90 في المائة من البلدان التي شملها استطلاع واسع، إلى تضمين الدعم النفسي الاجتماعي في خطط الاستجابة لـ"كوفيد-19".
ووجدت دراسة نشرتها مجلة Plos الطبية، أن فيروس كورونا خلف تأثيرات سلبية على الصحة العامة، كما ترك أيضاً تأثيرات بالغة على شخصيات البشر، إذ تسببت عمليات الإغلاق وانقطاع الناس عن التفاعل الاجتماعي في حصول ضعف عام في شخصية الأفراد، ليصبحوا أقل انفتاحاً وإبداعاً، خاصة الفئات الشابة.
وأجريت الدراسة على نحو 7000 شخص، واعتمدت على بيانات من جامعة جنوب كاليفورنيا تحلل خمسة أبعاد للشخصية، هي العصابية، وتحمل الفرد للتوتر والمشاعر السلبية، والإبداع والانفتاح، والثقة والصراحة، ومدى مسؤولية الشخص وتنظيمه، وكشفت أن الفيروس أثر على التغيير المعياري المعتاد في شخصيات الأفراد، وأن الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة تعرضوا إلى حالة من النضج المضطرب، وأن الشباب لم يكونوا قادرين على الاستجابة للمعايير الخمسة حسب ما كان عليه الأمر قبل الجائحة.
أظهرت الدراسة أيضاً أنه "بالمقارنة مع الأشخاص في منتصف العمر وكبار السن، بدت شخصية الشباب حساسة بشكل خاص للتغيير، إذ تميل الشخصيات إلى التطور والاندماج بشكل أكبر خلال مرحلة الشباب، مع نمط تطور يدعم المزيد من النضج، يتمثل في انخفاض عام في العصابية، وزيادة في القبول والتوافق، في حين أنه بعد مرور أكثر من عام على انتشار الوباء، أظهر الشباب عكس هذا الاتجاه".
على النقيض من ذلك، يُعتقد أن شخصيات كبار السن أكثر مقاومة للتغيير، إذ كانت أربع من السمات الخمس غير قابلة للتغيير نسبياً بين الكبار، وقد تكون هناك أيضاً أسباب أخرى متعلقة بالاختلافات العمرية في تغيير الشخصية.
وسلطت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية الضوء على نتائج الدراسة، عبر نشرها قصص واقعية حول تأثيرات جائحة كورونا على سمات التغيير الخاصة بالشخصية، من بينها قصة الطالب في كلية التصميم، اثوان فونغ (25 سنة) الذي يعيش في مدينة مانهاتن، والذي عاش مشكلة كبيرة بعد رفع القيود، إذ لم يكن قادراً على التفاعل بشكل إيجابي مع محيطه، وعندما عاد إلى الدراسة بعد عامين من الدرس الافتراضي وجد صعوبة كبيرة في التعامل مع الناس.
تقول الكاتبة الرئيسية للورقة البحثية التي نشرت في موقع Plos الأستاذة في جامعة ولاية فلوريدا، أنجلينا سوتين: "بشكل عام، تغيرت شخصيات الأفراد أثناء الجائحة، وقد تكون هذه التغيرات مؤقتة".
وعلى الرغم من أهمية النتائج التي توصلت إليها الدراسة، إلا أنها ظلت معرضة للتشكيك، إذ اعتبر الأستاذ الفخري في علم النفس بجامعة فيرجينيا، جيرالد كلور، أن الحذر الذي أبداه مؤلفو الدراسة يشير إلى أنها تحتاج إلى مزيد من المقاربات وإعادة التقييم.
وتناولت كثير من الدراسات الحديثة التأثيرات النفسية التي تعرض لها الأشخاص بسبب جائحة كورونا، إذ سجلت العديد من مراكز التأهيل النفسي قفزة في أعداد المراجعين، خاصة ضمن فئة الشباب، فارتفع عدد مستخدمي منصة Talkspace التي تقدم العلاج النفسي عبر الإنترنت بنسبة 60 في المائة خلال الفترة من مارس/آذار 2020 إلى مارس 2021، كما ارتفع عدد المراهقين الذين يسعون إلى العلاج بنسبة أربعة أضعاف تقريباً مقارنة بعام 2019.
يقول معالجون نفسيون في الولايات المتحدة إنهم لاحظوا أن زبائنهم يكافحون من أجل التغلب على مصاعب العيش خلال الجائحة، فضلاً عن تضررهم من التقلبات الكبيرة التي طرأت على الأعراف الاجتماعية.
ولاحظت نيدرا غلوفر تواب، وهي معالجة في شارلوت بولاية نورث كارولاينا، والتي يتابعها عبر منصة إنستغرام أكثر من مليون شخص، تفاقم الانزعاج حين عاد الناس إلى الروتين السابق على فترة الجائحة، مثل العمل في المكتب، وقالت: "كثير من الأشخاص اعتادوا على العزلة لدرجة أنه لا يمكن لكثيرين التأقلم مجدداً مع محيطهم الخارجي".
وسعى العديد من المعالجين النفسيين إلى اعتماد برامج لإعادة تأهيل الفئات الأكثر تضرراً من كورونا، وأحد الأمثلة كان ما فعلته سارة هارمون، وهي معالجة في بوسطن، والتي نظمت فعالية تسمح للأشخاص بالصراخ داخل ملاعب مفتوحة للتخلص من المشاعر السلبية.
ومنذ إبريل/ نيسان الماضي، تستضيف هيذر دين، المعالجة في إنديانا، فعالية صراخ جماعي شهرية في ملعب كرة قدم محلي، وتقول إن "الصراخ كان فرصة للأشخاص الذين كدسوا إحباطاتهم للتخلص من العبء العاطفي الزائد".
وحذرت منظمة الصحة العالمية مراراً من تأثيرات فيروس كورونا على الصحة النفسية، بخاصة أنّ الأرقام المسجلة لعلاج تأثيرات الفيروس لم تكن سهلة الرصد، إذ أظهر أحدث رصد للصحة العقلية لدى المنظمة، أنه في عام 2020، أنفقت الحكومات في جميع أنحاء العالم في المتوسط ما يزيد قليلاً على 2 في المائة فقط من ميزانياتها الصحية على الصحة العقلية، وأفادت العديد من البلدان منخفضة الدخل أن لديها أقل من عامل صحة نفسية واحد لكلّ 100 ألف شخص.