مع بداية العام الدراسي الجديد في مطلع سبتمبر/ أيلول الجاري، وبعد عام ونصف عام تقريباً من اعتماد التعليم عن بُعد كبديل من التعليم الحضوري في جامعات موسكو وغيرها من المدن الروسية على خلفية الأزمة الوبائية، عاد طلاب روسيا وأساتذتهم إلى قاعات الدراسة وسط توسّع حملة التحصين ضد فيروس كورونا الجديد. يأتي ذلك وسط انقسام بين الطلاب والأساتذة في تقييم العودة إلى الدراسة حضورياً، بعدما تعوّد قطاع عريض منهم على نظام التعليم عن بُعد في ظل زيادة فاعليته وتراكم الخبرة في هذا المجال، بحسب ما تقوله الأستاذة المساعدة في كلية الاستشراق التابعة للمدرسة العليا للاقتصاد بموسكو إيرينا تساريغورودتسيفا لـ"العربي الجديد". وتشرح أنّ "ثمّة طلاباً تسعدهم العودة إلى نظام التعليم الاعتيادي ولقاء بعضهم البعض والدراسة حضورياً بتركيز أكبر، فيما لا تبدي فئة ثانية من الطلاب بهجة في هذا الخصوص. فهؤلاء تعوّدوا على نظام التعليم عن بُعد وتوفير وقت الذهاب إلى الجامعة وتخصيصه لأعمال أخرى. وهذه هي الحجة الرئيسية لأنصار التعليم عن بُعد".
أرتيوم ساينكو طالب في كلية الاستشراق، يعبّر عن سعادته بالعودة إلى نظام التعليم حضورياً، إذ إنّه بالنسبة إليه "لا بديل عنه، لا سيّما في التخصصات مثل اللغات الأجنبية". ويقول ساينكو الذي اختار اللغة العربية تخصصاً له، لـ"العربي الجديد": "أشعر بالفرحة، إذ يمكنني لقاء أصدقائي وزملائي وأساتذتي"، مضيفاً: "لا أتصوّر كيف يمكن التفوّق في إتقان اللغات الأجنبية بنظام التعليم عن بُعد". ويشير إلى أنّه تلقّى "لقاحاً مضاداً لكوفيد-19، ولا أخشى الإصابة". وبعد تخرّجه في الصيف المقبل، يأمل ساينكو أن "أوظّف معرفتي باللغة العربية في بحوثي العلمية وتحليل الأوضاع الاجتماعية - السياسية في بلدان العالم العربي"، وأن يبلغ مرحلة من الإتقان اللغوي تمكّنه من العمل مترجماً فورياً.
وبالتزامن مع بداية العام الدراسي الجديد، تشهد روسيا توسّعاً لحملة تحصين الطلاب وأساتذة الجامعات، إذ أعلن وزير العلوم والتعليم العالي الروسي فاليري فالكوف عن إتمام عملية تحصين أكثر من 45 في المائة من موظفي الجامعات وأكثر من 12 في المائة من الطلاب، مؤكداً أنّ الجامعات سوف تلجأ إلى جهد كبير حتى يتّخذ الطلاب، بمن فيهم الأجانب، قرار التحصين ضد كوفيد-19. وبينما شدّد فالكوف على رفضه أيّ تمييز في حق الطلاب غير المحصنين، ترد أنباء من جامعات روسية حول إلزام الطلاب غير المحصنين بنظام التعليم عن بُعد. وعلى سبيل المثال، أفادت مواقع محلية في مدينة فولغوغراد جنوبي روسيا بأنّ طلاباً اشتكوا من تهديدهم بمنع حضورهم إلى جامعاتهم طالما لم يتلقّوا لقاحاتهم.
لكنّ رئيس اتحاد عموم روسيا للطلاب، أوليغ تسابكو، يرى أنّ "هذه الإجراءات الصارمة قد تكون مبرّرة في حال تفشي كورونا في إقليم بعينه". ويقول تسابكو لـ"العربي الجديد": "قد تعتمد جامعات عدّة نظام التعليم الهجين الذي يجمع ما بين الحضوريّ والتعليم عن بُعد، إذ إنّه ليس من الصواب جمع أعداد كبيرة من الطلاب غير المحصّنين في قاعة دراسية واحدة تجنباً لامتلاء المستشفيات، لا سيّما مع انتشار متحوّر دلتا من فيروس كورونا الجديد وعدم تكوّن المناعة المجتمعية بعد".
في سياق متصل، في مقاطعة روستوف جنوبي روسيا، ألغت السلطات الصحية المحلية في نهاية المطاف إلزامية تحصين الطلاب مع الإبقاء عليها للموظفين الحكوميين والعاملين في قطاعَي التجارة والمطاعم وكذلك سائقي سيارات الأجرة، وغيرهم من المنضوين في مهن تقتضي تواصلاً مستمراً مع الناس. أمّا في مدينة كوبان الواقعة في إقليم كراسنودار جنوبي البلاد كذلك، فقد تقرّر فتح مراكز تحصين في الجامعات المحلية لمنع انتشار الفيروس.
تجدر الإشارة إلى أنّ روسيا شهدت في الأشهر الماضية توسعاً كبيراً في حملة التحصين بعد جعل اللقاحات إلزامية للعاملين في مهن عديدة. وبحسب البيانات الرسمية الروسية، فإنّ عدد الذين تلقّوا جرعتَي اللقاح بحلول نهاية أغسطس/ آب الماضي، بلغ نحو 37 مليوناً أي نحو ربع سكان البلاد البالغ عددهم 146 مليون نسمة. وبحسب تقديرات متخصصين في علم الأوبئة، فإن تكوّن المناعة المجتمعية أو "مناعة القطيع" مرهون بتحصين نحو 80 في المائة من سكان البلاد. وقد أدّى توسّع حملة التحصين والانخفاض التدريجي في عدد الإصابات الجديدة، إلى تراجع روسيا في خريطة الدول الأكثر تأثراً بجائحة كورونا، فتحلّ اليوم في المرتبة العاشرة عالمياً لجهة عدد الإصابات الجديدة خلال الأيام الثمانية والعشرين الماضية، وفق بيانات جامعة "جونز هوبكنز" الأميركية.