ما دمنا قد توقفنا عند الجامعات في لبنان بأوضاعها المتعثرة لأسباب وعوامل وبائية وغير وبائية، من الأجدى تقديم صورة إجمالية عن الجامعات العربية. هنا نتحدّث عن مئات مؤسسات التعليم العالي، سواء أكانت خاصة أو رسمية. وبالطبع عن ملايين الطلاب في شتى الاختصاصات ومجالات الدراسة العلمية أو الإنسانية.
ومن البديهي أن نحصر متابعتنا في موضوع واحد هو الامتحانات وما سبقها وما يليها. إذ من المعروف أن معظم الجامعات لا تفرض على طلابها نوعاً محدّداً من الامتحانات، هو الكلاسيكي المعروف. فعملية التقييم لديها أكثر اتساعاً من مجرد الدخول إلى القاعة في يوم أو أيام محددة، والإجابة عن أسئلة مطروحة من أستاذ أو أساتذة المادة. إذ تدخل في عملية الامتحان المشاريع، سواء أكانت مشاريع تخرج أو فصلية وحتى صفية. كذلك يدخل ضمن علامات التقييم الأداء الحقلي أو المعملي. فطالب الآثار مثلاً يحصل على علامات في مادة التنقيب من خلال مشاركته في أعمال الحفريات وتحليل ما تكشف عنه. وطالب الطب من خلال تعاطيه مع تشخيص الأمراض وعلاج المرضى، وطالب التربية من خلال أدائه في المدارس والثانويات تحت إشراف أستاذ المادة.
بالطبع هناك رسالة دبلوم الدراسات العليا المعمقة (أو الماجستير) وأطروحة الدكتوراه مع ما يرافقهما من أوراق وأبحاث ونشريات تمهيدية. وعلى كل منها علامات تبعاً لما تقرره الإدارة الأكاديمية. حتى إن العديد من الجامعات باتت تصل العلامات هذه فيها إلى ما مجموعه 60 أو 70 في المائة من التقدير النهائي، متجاوزة مبدأ الامتحان كمقرر، وحصره بنسبة لا تزيد كثيراً عن 30 إلى 40 في المائة فقط. هذا بعض عالم التقييم في الجامعات مختصراً وبالإجمال. مع ذلك يظل الامتحان ذا وزن راجح لمعظم الاختصاصات والصفوف، ولا سيما الأولى في مرحلة الدراسة.
والآن لنرى كيف تعاطت العديد من الجامعات العربية مع الظروف المفروضة، باعتبار أن متابعتها على العموم تتطلّب دراسات وأبحاثاً تفصيلية، لا بد من أن يشارك فيها عشرات ومئات الباحثين الأكاديميين بالنظر لتنوع وتعدد التجارب. ففي جميع أنحاء المنطقة العربية، عمل الأكاديميون جاهدين على تقييم الطلاب مع اقتراب نهاية الفصل الدراسي الثاني، الذي اعتمد التعليم عن بُعد بسبب انتشار وباء كوفيد-19. ترافق ذلك مع التخطيط لكيفية إعادة فتح الجامعات المغلقة، سواء للفصول الصيفية أو للعام الدراسي المقبل. وقد ارتبط هذا التقييم أصلاً مع الانتقال الاضطراري إلى التعليم عن بُعد .
وهنا تباينت الظروف الذاتية والعامة على نحو واسع. ففي الدول والمجتمعات التي كانت تملك رصيداً مرتفعاً في امتلاك الأجهزة الرقمية وشبكات الإنترنت السريعة والتعامل معها، سارت الأمور على نحو طبيعي تقريباً، ولم تظهر عقبات مستعصية. ومثل هذا الاستنتاج ينطبق بشكل رئيسي على الدول الخليجية ذات المستوى المرتفع من الدخل والرقمنة العامة والخاصة على حد سواء.
أما في الدول التي تعاني من مستويات متدنّية على صعيد هذا الدخول، وصعوبات حكومية في سد النقص الحاصل، فبدت المشكلة أكثر تعقيداً، ما دفع بالعديد منها نحو العودة إلى شاشات التلفزة باعتبارها الخيار الوحيد المتاح عن الإفادة من تكنولوجيا الإنترنت، وما يرتبط بها من تجهيزات ملائمة. أما في الدول التي تعاني من أوضاع أمنية وخدماتية مضطربة فبدت الخيارات بالغة الصعوبة، إذ عادة ما يرافق ذلك ضعف أو هشاشة في وضع السلطات المركزية التي يتوجّب عليها أن تلعب أدواراً رئيسية في معالجة الواقع والتصدي للمشكلات. ما يجعل الحلول عبارة عن مبادرات فردية أو موضعية في أحسن الأحوال.
(باحث وأكاديمي)