يتواصل الغضب في مدينة جرجيس جنوب شرقي تونس، بينما تدرس المنظمات المدنية بدفع من الأهالي إمكانية تنفيذ إضراب عام الإثنين المقبل، احتجاجاً على تواصل الغموض بشأن المفقودين في غرق مركب هجرة سرية كان يحمل على متنه 18 مهاجراً من أبناء الجهة.
ودعا مواطنون وأهالي الضحايا والمفقودين، اليوم السبت، على هامش اجتماع الاتحاد المحلي للشغل، إلى إضراب عام شامل ووقف كل الأنشطة الاقتصادية في المنطقة، رافعين شعار "اتحاد اتحاد والعكّارة في حداد" (العكارة هم قبيلة السكان الأصليين للمنطقة).
واعتبر المحتجون الذين تجمهروا أمام مقر الاتحاد الجهوي بجرجيس للضغط على المنظمات لإقرار الإَضراب العام في أقرب الآجال، أنّ وقف العمل سيكون ردّاً على السلطات الرسمية التي يتهمها الأهالي بالتقصير في البحث عن المفقودين والتعتيم على هوية جثث المنتشلين.
وتزامنت الدعوة للإضراب العام مع دفن خامس ضحية من غرقى المركب من مجموع 8 جثث تم العثور عليها لمهاجرين يفترض أن يكونوا على متن القارب الذي غرق على بعد 28 ميلاً من شواطئ المنطقة.
وقال رئيس الاتحاد المحلي للشغل بجرجيس، الهادي الحميدي، إنّ "قضية الهجرة من وإلى جرجيس، أصبحت ملفاً حارقاً يلقي بظلاله على المجتمع المحلي بأكمله".
وأكد المسؤول النقابي المحلي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "موعد الإضراب العام سيقرر بعد التنسيق مع باقي المنظمات الوطنية"، منتقداً "التعاطي الرسمي مع ملف غرق مركب الهجرة، وإمكانية تدويل القضية، في حال عدم التوصل إلى كشف الحقيقة على الصعيد المحلي".
واعتبر أنّ "التعتيم المتعمّد على هوية الغرقى الذين تم العثور على جثثهم، وعدم إجراء التحاليل الجينية للضحايا، يحيل إلى إمكانية تورط السلطات في التقصير في البحث عن المركب الغارق، وانتشال الجثث التي أعلم عنها الصيادون الحرس البحري".
ويتسبب تأخر الكشف عن نتائج التحاليل الجينية، والتعرف على هويات الغرقى في تأجيج الغضب الشعبي في جرجيس، بينما يطالب المجتمع المدني بضرورة تكثيف مخابر التحليل وأعمال الطب الشرعي، من أجل امتصاص جزء من حالة الغليان التي تسيطر على المدينة بأكملها.
وقال شمس الدين مرزوق وهو ناشط مدني في الجهة إنّ "تعتيماً كبيراً لا يزال يحوم حول مصير جثث الغارقين الذين انتشلهم الصيادون وجرى تسليمهم للحرس البحري"، مؤكداّ أنّ "الأهالي لا يعرفون مكان تواجد ومآل الغارقين المنتشلين".
وأضاف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "السلطات المحلية لم تقدّم إجابات بشأن الجثث المنتشلة، ويرجّح أن يكون قد تم دفنها دون إخضاعها للتحاليل الجينية للتعرف على الهويات".
واعتبر مرزوق أنّ "التعتيم التام على مآل الجثث أجّج الغضب الشعبي في المنطقة، وتسبب في المطالبة برحيل كل ممثلي السلطة المحلية الذين يتحملون مسؤولية ما حدث في المنطقة"، بحسب قوله.
وأفاد بأنّ "الجثث المنتشلة أو التي يلفظها البحر تدفن دون التحقق من هويات أصحابها، في تجاوز واضح للقوانين الدولية والمحلية في التعامل مع جثث الموتى".
وشدد مرزوق على أنّ "الدفن دون التثبت من الهويات، يضع كل المسؤولين الموقعين على شهادات الدفن في دائرة المساءلة القانونية، بسبب تجاوزهم للقوانين التي تجبر الطبيب الشرعي أو وكيل الجمهورية على إجراء تحاليل الحمض النووي".
وأضاف الناشط بالمجتمع المدني أنّ "الاتحاد الأوروبي يمنح تونس مساعدات مالية من أجل القيام بذلك في إطار سياسات مكافحة الهجرة غير النظامية، غير أنّ السلطات لا تلتزم بهذه الإجراءات التي تنص عليها القوانين الدولية الخاصة بالهجرة".
وأشار أيضاً إلى أنّ "التحاليل القليلة التي أجريت تحت ضغط المجتمع المدني والمواطنين في الجهة، كشفت عن هويات ما لا يقل عن 4 من ضحايا المركب الذي انقطع به الاتصال واختفى منذ 21 سبتمبر/ أيلول الماضي".
كذلك أعلنت مجموعة من المحامين في الجهة، نيتهم رفع قضايا ضد السلطات بتهمة التقصير ومخالفة إجراءات الدفن وتحليل الجثث، وذلك بعد استكمال جمع المؤيدات اللازمة من البحارة المشاركين في تمشيط البحر وبعض عائلات الضحايا.