- السجون العراقية تعاني من اكتظاظ، تعذيب، تجويع، وابتزاز، بالإضافة إلى التحرش بذوي السجناء، مع غياب تحقيق الإصلاحات الموعودة من السلطات.
- الظروف السيئة في السجون تعكس تحديات أكبر لحقوق الإنسان والديمقراطية في العراق، مع تسجيل وفيات بسبب التعذيب والإهمال الطبي، مما يستدعي تدخلات فعالة لضمان العدالة وحقوق الإنسان.
يؤكد ناشطون حقوقيون وجود العديد من الانتهاكات والتجاوزات في سجون العراق ووقوع بعضها بحق ذوي السجناء الذين يتم التعامل معهم بطرق تخالف القانون، بما يشمل التعدي والابتزاز.
يتعرض كثير من ذوي السجناء العراقيين للابتزاز والمضايقات، وصولاً إلى التجاوز اللفظي خلال زياراتهم الدورية للسجون، رغم وعودٍ كثيرة قدمتها السلطات، وتحديداً وزارة العدل ودوائر الإصلاح، حول معاقبة من يسيء معاملة ذوي السجناء، بينما التجاوزات مستمرة، وتصل أحياناً إلى إجبارهم على الانتظار لما يصل إلى 20 ساعة قبل السماح لهم بالدخول، وتعرضهم للشتم والتنكيل. يقول عدد من ذوي سجناء في أكثر من سجن عراقي لـ"العربي الجديد"، إنهم ينتظرون لساعات طويلة أمام السجون، ويتم تفتيشهم بطريقة مسيئة، وتتعرض النساء في بعض الأحيان للتجاوز اللفظي، إضافة إلى العبارات النابية من قبل بعض أفراد أمن السجون، فضلاً عن الابتزاز المالي مقابل إدخال الطعام أو الملابس.
ويروي محمود عادل، وهو شقيق أحد نزلاء سجن التاجي ببغداد أن "يوم زيارة السجناء هو أسوأ الأيام بالنسبة لنا، رغم أنه من المفترض أن نلتقي فيه بشقيقي، لأننا نتعرض لشتائم وإهانات، وقد شاهدت حالات اعتداء بالضرب بحجة التجاوز على آليات الانضباط خلال الدخول. وفي الحقيقة لم يكن هناك أي تجاوز، بل إن التجاوزات تصدر عن العاملين في السجن وأفراد الأمن". يضيف عادل لـ"العربي الجديد": "هناك جهل كبير بالقانون من قبل ذوي السجناء، وهناك تجاوزات في التعامل معهم، وبعض العاملين في السجون يعتبرون أن كل من يدخل السجن إرهابي أو مجرم، وأن ذويه إرهابيون أو مجرمون أيضاً، ونسمع مثل هذا الحديث في كل مرة نزور شقيقي، وأقسام حقوق الإنسان في السجون لا تسهم في حل المشاكل، ولا نعرف مع من نتحدث حين تحدث مشكلة".
وأشارت ابنة أحد نزلاء سجن الناصرية المركزي (جنوب)، إلى أنها تعرضت لمضايقة لفظية، وجرت محاولات للتواصل معها من قبل بعض العاملين في السجن، وبعضهم ضباط، بطرق غير محترمة، لكنها ظلت تسعى إلى التغاضي عما حدث مقابل دقائق من الحديث مع والدها. وتوضح لـ"العربي الجديد"، أن "أغلبية ذوي السجناء من محافظات متفرقة، ما يعني أنهم يتكبدون عناء السفر لمقابلة السجناء، ومع ذلك فإنهم ينتظرون لساعات طويلة قبل أن يدخلوا إلى السجن، وفي بعض الأحيان لا تسمح إدارة السجن بدخول أحد بحجة الوضع الأمني، أو زيارة مسؤولين، ما يعني الانتظار أسبوعاً أو أسبوعين لإجراء الزيارة"، مؤكدة أن "التواصل مع المسؤولين لا يغير الوضع، ما يجعلنا مضطرين إلى التعامل مع العاملين".
ولا توجد إحصائية رسمية توثق عدد السجناء في العراق، لكن أرقاماً متضاربة تشير إلى أن الرقم يقارب مائة ألف سجين، وهم يتوزعون على سجون وزارات العدل والداخلية والدفاع، إضافة إلى سجون تمتلكها أجهزة أمنية، مثل جهاز المخابرات والأمن الوطني وجهاز مكافحة الإرهاب، وسجون الحشد الشعبي، وسط استمرار الحديث عن سجون سرية منتشرة في البلاد، وتضم آلاف المعتقلين.
وسجلت منظمات المجتمع المدني حالات عديدة، وعرضتها على أعضاء في مجلس النواب، ومسؤولين في وزارة العدل، وفي دوائر الإصلاح المسؤولة عن إدارة السجون، وتعد السلطات دائماً بإجراء إصلاحات، ومعاقبة المتسببين في الانتهاكات، وتصدر بعض القرارات والتوجيهات، لكن سرعان ما يعود الوضع إلى ما كان عليه.
ويشدد منذر الجنابي، وهو عضو في منظمة محلية معنية بمراقبة السجون العراقية، على وجود مشاكل كثيرة في السجون، من بينها الاكتظاظ غير الاعتيادي، والتعذيب، والتجويع، وابتزازهم السجناء، وتوريطهم في جرائم أخرى، وصولاً إلى مساومة ذوي السجناء، والتجاوزات بحقهم.
ويبين الجنابي لـ"العربي الجديد"، أن "مقاطع فيديو تتسرب بين فترة وأخرى، تظهر استغاثات السجناء من الانتهاكات غير الأخلاقية، وتعرضهم للإهمال والتجويع والتعذيب، فضلاً عن تعرض ذويهم للتجاوزات، ومن بينها التحرش بالنساء ومضايقتهن".
وسبق أن تحدثت وزارة العدل عن إجراءات لمكافحة الانتهاكات التي تحدث في السجون، من بينها دخول المخدرات والهواتف والممنوعات، مؤكدة وجود بعض الخروقات في السجون، وأن ذلك تقابله آليات للسيطرة عليها عبر التنسيق مع الأجهزة الأمنية، باعتبار أن الأطواق الأمنية حول السجون، قبل الطوق الأخير لدائرة الإصلاح، هي من مهام تلك الأجهزة.
من جهته، يقول رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي، أرشد الصالحي، إن "السجون فيها مشاكل كثيرة، وإن مساومة ذوي السجناء تحدث، وأحياناً بطرق بشعة، وهذا بسبب بعض المسؤولين الفاسدين في السجون، والذين عادة ما تتم معاقبتهم بعد اكتشاف أمرهم"، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن "هناك تدخلات حزبية وسياسية في مثل هذه الانتهاكات، خصوصاً وأن بعض المتجاوزين تساندهم الجهات التي ينتمون إليها، والتي تدعمهم للوجود في المناصب الهامة، وبالتالي لا بد من منع هذه الإشكالات، فالعراق يتراجع في الديمقراطية وقضايا حقوق الإنسان".
وكشف المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب في تقرير سابق، عن وفاة نحو 50 معتقلاً نتيجة جرائم تعذيب وإهمال طبي في السجون، واحتجاز السلطات الحكومية عشرات الآلاف من المعتقلين في ظروف غير إنسانية، ووضعهم في زنازين مكتظة وغير مهيأة صحياً لسنوات بدوافع انتقامية أو طائفية، موضحاً أنّ "الظروف الصحية معدومة في المعتقلات، ما يؤثّر على صحة السجناء بشكل مباشر، وهناك وفيات في السجون التابعة لوزارات العدل والداخلية والدفاع، فضلاً عن السجون السرية التابعة للمليشيات".