جدال حول مشروع قانون العمل في الأردن

18 أكتوبر 2024
استقرار بيئة الأعمال أحد اهداف مشروع قانون العمل الجديد في الأردن (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -

يُثير مشروع قانون العمل الجديد في الأردن الذي أعدّته الحكومة السابقة قبل أن تستقيل الكثير من الجدال حول آثاره على الحماية الاجتماعية في البلاد. وهو سيُرسل إلى مجلس النواب الذي يبدأ دورته العادية في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. وترى منظمات حقوقية نسائية أن مشروع القانون خطوة متقدمة نحو ضمان حقوق المرأة، لكن نقابات عمالية ومراكز حقوقية تعتبر أنه يهدد الأمان والاستقرار الوظيفي والحماية الاجتماعية التي يفترض أن تحققها المنظومة القانونية والحقوقية لضمان توفير بيئة عمل لائقة في البلاد.

وتتحدث المنظمات الحقوقية والنقابات العمالية عن أن "التعديلات الجديدة التي طرأت على مشروع قانون العمل تشمل زيادة إجازة الأمومة للعاملات في القطاع الخاص من 10 أسابيع إلى 90 يوماً، ومنع إنهاء خدمات الحامل بغض النظر عن أشهر الحمل، ومنح العامل أو العاملة في القطاع الخاص إجازة مدفوعة الأجر لمدة ثلاثة أيام في حال وفاة قريب له من الدرجة الأولى، لكن في الجهة المقابلة طرأت تعديلات على الفصل التعسفي في العمل، وإنهاء عقد العمل غير محدد المدة. كما لم تراعٍ بعض التعديلات مصالح العمال وحقوقهم وأمانهم الوظيفي، ما يؤثر سلباً على استقرار بيئة الأعمال وتوازن العلاقات في العمل الذي يفاقم ظاهرة البطالة ويهدد الأمان في الوظائف والحماية الاجتماعية التي يجب أن يتمتع بها العمال".

ويهدف مشروع القانون، بحسب ما أوضحت الحكومة، إلى تمكين وزارة العمل في الأردن من تنفيذ مهماتها ومسؤولياتها في تنظيم سوق العمل، وتحقيق التوازن بين مصلحة العاملين وأصحاب العمل في القطاع الخاص، والمواءمة بين قانون العمل والتشريعات الوطنية، وبينها قانون الضمان الاجتماعي، ونظام الخدمة المدنية ونظام دور الحضانة في شكل يتوافق مع المعايير الفُضلى والاتفاقات الدولية.

وقال وزير العمل الجديد خالد البكار، في لقاء عقده مع رئيس وأعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد العام لنقابات عمال الأردن أخيراً، إن مشروعي القانونين المعدلين لقانوني العمل والضمان الاجتماعي قيد التحضير، ولا شيء يمنع تلقي ملاحظات تهدف إلى تحسين النصوص.

الصورة
يدور جدل حول مراعاة مشروع القانون مصالح العمال (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
مراعاة مشروع القانون مصالح العمال موضوع جدال (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)

وتصف رئيسة الهيئة الإدارية لجمعية معهد تضامن النساء الأردني (تضامن)، نهى محريز، في حديثها لـ"العربي الجديد"، التعديلات التي يتضمنها قانون العمل الجديد بأنها "إيجابية وتصب في صالح المرأة الأردنية، وتوفر حماية لها، وتضمن استمرارها في سوق العمل خاصة بالنسبة إلى الأمهات الجدد ما يتيح لهنّ الوقت الكافي لرعاية أطفالهن بعيداً عن ضغوط العمل. ويحسّن ذلك صحتهن النفسية ويمنحهن فترة تعافٍ أكبر بعد الولادة، ويسمح بتعزيز صحة الأم والطفل معاً، وضمان الاستقرار الأسري".

تضيف محريز: "نرحب أيضاً بالتعديلات التي تزيد المشاركة الاقتصادية للنساء ومعدلات الحماية الاجتماعية للعاملات في القطاع الخاص، من بينها رفع إجازة الأمومة إلى 90 يوماً، وتوحيدها بين القطاعين العام والخاص. والتعديلات الخاصة بالمرأة تحقق جزءاً مهماً من مبادئ المساواة والعدالة بين العاملات في القطاعين العام والخاص، وتضمن توفير مساحات أمان إضافية للعاملات، وتسمح لأولئك اللواتي يعملن في القطاع الخاص بالاستمرار في العمل بدلاً من الانسحاب المبكر منه".

وتشير محريز إلى أهمية منع الاستغناء عن المرأة الحامل، "ففي السابق كان أصحاب عمل يستغنون عن السيدات في الأشهر الأولى للحمل، والتعديل الخاص بهذه المسألة في مشروع القانون الجديد يُنهي هذا الانتهاك الذي كانت تتعرض له المرأة الحامل". في الوقت ذاته، تحذّر من التعديلات التي تتيح الاستغناء عن نسبة معينة من العاملين الرجال أو النساء من دون مبررات حقيقية، وتعتبر أن فصل الموظفين في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها المواطنون يشكل خطراً كبيراً على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي.

وبالنسبة إلى التعديلات المقترحة على العمالة المهاجرة، تقول محريز: "ندعم تنظيم سوق العمل في الأردن إذ نحتاج إلى أن تحل العمالة المحلية بدلاً من المهاجرة لكن من دون تجاوز حقوقهم  وإنسانيتهم". وتنتقد التعديلات الكثيرة على قانون العمل خلال السنوات الأخيرة، وتحذر من مخاطر عدم الاستقرار التشريعي، وتدعو إلى عدم توسيع التعديلات التي تنعكس سلباً على أوضاع العمال والموظفين.

بدوره، يقول رئيس المركز الأردني لحقوق العمل ووكيل وزارة العمل السابق، حمادة أبو نجمة، لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة الجديدة يجب أن توقف مشروع القانون الجديد للعمل، وتتشاور مع أصحاب العمل وممثلي العمال ومؤسسات المجتمع المدني المعنية، خاصة أن اتحاد العمال ومنظمات للمجتمع المدني طالبت بعرض مشروع القانون على مجلس النواب، وإبقاء العمل بالقانون القديم".

ويرى أبو نجمة أن "الإغراء الذي وضعته الحكومة السابقة من خلال الحديث عن زيادة إجازة الأمومة هدف إلى كسب ود الناس من أجل تمرير خمس مواد خطرة. وتكرر هذا الأمر مرات، علماً أن النصوص الخاصة بالمرأة العاملة لا تطبق أحياناً، وهو ما حصل مثلاً في بند عدم التمييز في الأجور بين الذكور الإناث، والذي ظل مجرد نص في القانون. ومنذ أن صدر لم ترفع أي سيدة قضية أمام المحاكم في الأردن تطالب بالمساواة في الأجور، كما لم يصدر حكماً في هذا الشأن. وهذه النصوص تتوافق مع المعايير الدولية وحقوق الإنسان لكنها شكلية ولا أثر لها على أرض الواقع، والهدف منها تحييد الكثير من المنظمات الحقوقية التي تطالب بالمساواة وحقوق المرأة من أجل تمرير نصوص أخرى ترتبط بحقوق العمال والنقابات العمالية".

يضيف أبو نجمة: "لا أرى أي ضرورة لتعديل القانون الذي كان حصل العام الماضي وقبله عام 2019. الأفضل عدم تعديل القانون في المرحلة الحالية، واذا رأت الجهات المعنية ضرورة حصول ذلك يجب أن يكون ذلك محدداً وواضحاً". ويشير إلى أن "مشروع التعديل يتضمن إخضاع صلاحية تحديد حالات الفصل من العمل والحقوق والمستحقات التي تترتب على ذلك لنظام يقرره مجلس الوزراء بديلا للوضع الحالي الذي يتولى فيه القانون نفسه تحديد القواعد التي يتولى القضاء تطبيقها وتفسيرها والحكم بناء عليها، وهذا أمر معمول به في كل دول العالم".

ويعتبر أيضاً أن موضوع الفصل من العمل بنظام تصدره الحكومة سيقوّض استقرار التشريع والاجتهادات القضائية، ويؤدي إلى تضارب في المصالح باعتبار أن أصحاب العمل يؤثرون في صياغة بنود النظام ما يرفع الحماية الاجتماعية ويقلصها. وهناك بنود لإطلاق يد صاحب العمل من أجل إنهاء الخدمات من دون قيود، وبالتالي سيُلغي هذا التعديل أهم قواعد الحماية الاجتماعية، وهي الاستقرار الوظيفي، ويخلق بلبلة بين العمال وأصحاب العمل، فمثلاً تعطي مادة صاحب العمل حق فصل 15% من العمال من دون العودة إلى وزارة العمل أو أي جهة رقابية، وهو ما يمنعه القانون الحالي. ويرى أن "تكريس التوجه إلى إنهاء خدمات العاملين سيتسبب في تأثيرات سلبية قد تمتد إلى الاقتصاد والمجتمع كله، فعلى الصعيد الاقتصادي سيزيد ذلك معدلات الفصل وبالتالي عدم الاستقرار في سوق العمل، ويخلق توترات في علاقات العمل، ويرفع معدلات البطالة". ويشير إلى أن "مضمون هذه التعديلات لا يتناسب مع الظرف الذي نعيشه في ظل الارتفاع غير المسبوق في معدلات البطالة، وحاجتنا إلى الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي لمواجهة التحديات الصعبة".

المساهمون