تؤكد بيانات وزارة الداخلية البريطانية قيام جهات مختصة لديها بمراجعة دورية للانتهاكات والجرائم التي يرتكبها عناصر الشرطة، إلا أن جريمة اختطاف الشابة سارة إيفيرارد من أحد شوارع العاصمة لندن، ثم اغتصابها وقتلها، والتي وقعت في مارس/آذار 2021، فتحت الباب واسعاً على تداول الانتهاكات الخطيرة التي يمارسها بعض أفراد الشرطة.
وأدين الضابط البريطاني السابق، واين كوزينز، بالسجن المؤبّد في جريمة اختطاف واغتصاب وقتل إيفيرارد، لكن ذلك لم يوقف الجدل حول الجرائم المتباينة التي يمارسها عناصر الشرطة عبر استغلال سلطتهم.
لا تشمل الأرقام التي نشرتها وزارة الداخلية في تقرير، سوى حالات الاعتداء والانتهاك التي نشأت عن شكوى أو مسائل سلوكية خضعت للتحقيق، ما يعني أن عدد الضبّاط وأفراد الشرطة الذين مارسوا انتهاكات أو اعتداءات قد يكون أعلى بكثير من الرقم المعلن.
ويشير التقرير إلى أن ما يقارب 90 في المائة من الشكاوى ضدّ ضبّاط الشرطة لم يتّخذ حيالها أي إجراء، الأمر الذي قد يتيح للمتّهمين ممارسة المزيد من الانتهاكات والإساءات.
وتضمّنت الشكاوى المقدمة خلال العام الماضي أكثر من 4 آلاف ادّعاء متعلق بالسلوك التمييزي والعنصرية وكراهية النساء، إضافة إلى أكثر من 10 آلاف ادّعاء حول الاستخدام المفرط للقوة، و1400 حالة فساد واستغلال للسلطة، وأكثر من 200 ادّعاء متعلق بالتحرّش والاعتداء الجنسي.
ويؤكّد تقرير وزارة الداخلية، أن 0,2 في المائة فقط من أصل الشكاوى المقدمة أدّت إلى "إجراءات تأديبية" بحق المتّهمين، بينما لم تصنّف 89 في المائة من الشكاوى على أنها بحاجة إلى "تدابير أو إجراءات عقابية"، كما أن نسبة ضئيلة جداً من أفراد الشرطة المدانين تقرر فصلهم من العمل.
وقال مفوّض شرطة العاصمة لندن، مارك رولي، لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، إن الوضع بات "مقلقاً للغاية"، وإنه تم إجباره من قبل بعض الجهات على إعادة ضبّاط إلى الخدمة بعد فصلهم لأسباب تتعلّق بالسلوك غير اللائق، مشيراً إلى أن هيئات قانونية أخرى أعادت ضباطا مفصولين عن الخدمة إلى مواقعهم السابقة، كما أجبرته على عدم فصل آخرين ثبتت بحقهم تهم ارتكاب خروقات وانتهاكات.
في سياق متصل، أظهر استطلاع للرأي أجرته شركة "يوغوف"، تفاوتاً كبيراً في نسبة الأشخاص الذين يعتقدون أن شرطة العاصمة عنصرية من الناحية المؤسساتية بين عامي 2019 و2022، إذ أكد 41 في المائة من البريطانيين في 2019 أن الشرطة ليست عنصرية، في حين أكد 25 في المائة أنها عنصرية، بينما انعكست النسبة تقريباً في 2022، فأصبح 44 في المائة يعتقدون أن الشرطة عنصرية مؤسساتياً، في مقابل 29 في المائة فقط لا يرون ذلك.
وقبل أشهر قليلة من استقالتها، أصدرت وزيرة الداخلية السابقة، بريتي باتيل، تعليمات جديدة في ما يتعلق بقوانين التفتيش والتوقيف، منحت أفراد الشرطة صلاحيات أوسع للتوقيف العشوائي، واستخدام القوة أثناء عمليات المداهمة، ما أثار الكثير من الانتقادات، خاصة وأن الأقليات العرقية والثقافية عادة ما تدفع ثمن تلك التعديلات.
ولم تكن الإجراءات التي اتّخذتها وزيرة الداخلية الجديدة، سويلا برافرمان، أفضل حالاً من سابقتها، إذ انكبّت منذ اليوم الأول لتعيينها في حكومة ريشي سوناك، على سنّ مزيد من التشريعات الخاصة بتقييد حركة عبور طالبي اللجوء، فجعلت من هذا الملف الشائك أولوية على حساب ملفّات داخلية أخرى كالسلوك العام لأفراد الشرطة.
وكانت برافرمان قد استقالت من حكومة ليز تراس بعد أن خرقت القوانين عبر تسريبها ملفّاً سرّياً متعلقاً بقوانين الهجرة إلى أحد الزملاء من بريدها الإلكتروني الخاص، لكن سوناك أعاد تعيينها فور وصوله إلى "داونينغ ستريت".
يُذكر أيضاً أن الشرطة البريطانية واجهت خلال العام الماضي الكثير من التحديات المصيرية التي تزيد من صعوبة مهمة التحقيق في الانتهاكات، وفرض العقوبات، وتجلّت أبرز تلك التحديات في النقص الهائل الذي شهدته قطاعات أخرى كالقطاع الصحي، ما دفع الحكومة للاستعانة بأفراد الشرطة لسدّ الفراغ، إضافة إلى التحديات الاقتصادية التي أدّت إلى ارتفاع معدّلات الجريمة في ظل نقص هائل في عدد الأفراد.
ولم يكن غلاء المعيشة ضاغطاً على المواطنين فقط، بل أيضاً على أفراد الشرطة، وحذّر مفوّض شرطة لندن من تبعات تخفيض أجور الضبّاط بنسبة 14 في المائة، والذي دفع شريحة كبيرة منهم للجوء إلى المساعدات الغذائية التي توفّرها الجمعيات الخيرية.